تفسير العثيمين: الأنعام
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
بالبصر) يشكل عليه أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نهى عن دخول ديار المكذبين أو المهلَكِين؟
فالجواب: أنه ﵊ لم ينه عنها مطلقًا، بل نهى أن ندخل فرحين بطرين معجبين بالآثار، وما أشبه ذلك، أما أن ندخل معتبرين باكين خائفين فلا، ولهذا قال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين" (^١)، فهناك فرق بين من يدخل هذه الديار ليعتبر ويخاف ويبكي، وآخر يدخلها للبطر والأشر والنزهة والإعجاب بالآثار، فالأول محمود، والثاني مذموم، وبذلك يزول الإشكال.
قوله: ﴿ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿انْظُرُوا﴾ بأبصاركم أو ببصائركم؟ إذا قلنا السير بالقلب فالمراد انظروا بالبصائر، وإذا قلنا بالقدم فالمراد بالبصر وينبني على ما سبق.
وقوله: ﴿كَيْفَ﴾ خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم، ويتعين أن يكون مقدمًا؛ لأنه اسم استفهام، واسم الاستفهام له صدر الكلام؛ لأنه المقصودُ بالجملة، وإذا كان المقصودُ بالجملة كان حقه أن يقدم، ولهذا إذا قلت: أين زيد؟ تعين أن تكون (أين) خبرًا مقدمًا، ولا يجوز أن تقول: زيد أين، (فكيف) في محل نصب خبر (كان) مقدمًا ﴿عَاقِبَةُ﴾ اسمها مؤخر، باعتبار تقديم الخبر وإلا فهو في مكانه.
وقوله: ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، فماذا كانت؟ كانت
_________
(^١) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب: الصلاة في مواضع الخسف والعذاب (٤٣٣)، ومسلم، كتاب الزهد والرقاق، باب: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ... (٢٩٨٠).
1 / 60