تفسير العثيمين: الأحزاب
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
لمِا كان من قَوْلكم قبل النهي] في هذا نظَرٌ ظاهِرٌ جدًّا، ووجهُه: أنَّه قبل النهي لم يَثبُت الحُكْم، حتَّى يَكون الإنسان مخُالِفًا يُوصَف عدَمُ مُؤَاخذته بالمَغفِرة، لأن المَغفِرة فَرْع عن وجود الذَّنْب، وهنا لا ذَنْبَ قبل أن يَتقرَّرَ الحُكْم.
والصواب: أنَّه ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ فيما وقَع من قولكم بعد النهي على سبيل الخَطَأ، فإن هذا مِن مَغفِرته ﷾ ورحمتِهِ أنَّه يَرْفعُ الخَطَأ عمَّن فعَله بعد النهي وتقرير الحُكْم.
ثُم يقال أيضًا: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ تَعود إلى الفِعْل الخطَأ والفِعْل العَمْد، أمَّا الفِعْل الخَطَأ فإن رَفْعَ المُؤَاخَذة به من آثار الرحمة، ولو شاء اللَّه ﷿ لكان يُؤَاخِذ عِباده، بالجَهْل كما يُؤَاخِذهم بالعَمْد، لكن رحمته سبَقَتْ غضَبَه ﷾، وأمَّا غَفورٌ فإنه يَعود إلى ما فُعِلَ عَمْدًا، فإن من مُقتَضى كون اللَّه تعالى غَفورًا أن يَسعَى الإنسان في أسباب مَغفِرته وذلك بالتَّوْبة ممَّا حصَل منه، فإذا تاب فإن اللَّه تعالى يَتوب عليه ويَغفِر له.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: وُجُوب دَعوة الإنسان إلى أبيه ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾، يَعنِي: انسُبوهم لآبائهم لَفْظًا وحقيقةً، أمَّا لفظًا، فتَقول: يا فُلان ابنَ فُلان. وأمَّا حقيقة بأن تَعتَقِد أن البُنُوَّة الحقَّ إنما هي للأَبِ الحقيقيِّ الذي وُلد الإنسان من صُلْبه، لا للأبِ الذي ادُّعِي أنَّه أبٌ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّه لا يَنبَغي أن يُدعَى الإنسان لغير أبيه، وهذا نوعان:
الأوَّل: أن يَدَّعِيَ لغير أبيه لَفْظًا وحقيقةَ، فهذا لا يَجوز، بل إن الرسول ﷺ
1 / 55