تفسير العثيمين: الأحزاب
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، فإن قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ قَيْد مُبيِّن للواقِع، وليس المَعنى أن هناك رَبًّا لم يَخلُق وربًّا خلَق؛ والأمثِلة في هذا كثير.
فهنا يُمكِن أن نَحمِل كلام المُفَسِّر ﵀ في قوله: [فيما يُخالِف شريعتَكَ] على أنه بَيان للواقِع، وهو أن الكافِر والمُنافِق لا يُمكِن أن يَأمُر إلَّا بما يُخَالِف الشَّريعة؛ لأن الكافِر كافِر بها، والمُنافِق أيضًا كافِر بها، لكنه يُظهِر الإيمان.
ثُمَّ قال ﵀: [﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ بما يَكون قَبْلَ كونه، ﴿حَكِيمًا﴾ فيما يَخلُقه]، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، هذه الجُمْلةُ مَوضِعها ممَّا قَبْلها في المَعنى تَعليلية، ووجهُ كَونِها تَعليلًا لما قَبْلها أن اللَّه تعالى لمَّا أَمَر نبيَّه ﷺ بالتَّقوى ونهاهُ عن طاعة الكافِرين؛ بيَّن أن هذا الأَمْرَ والنهيَ صادِر عن عِلْم وحِكْمة، وأنه ﷿ أَعلَم بما يَكيده هؤلاءِ الأعداءُ من الكُفَّار والمُنافِقين، فلا تُطِعْهم؛ فليسوا أهلَ نُصْح لكَ أبدًا.
وقوله ﵀: [﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ بما يَكون قبل كَوْنه]، وهذا التَّقييدُ غير صحيح؛ لأنه تعالى عليم بما يَكون قبل كَوْنه، وبعد كَوْنه: حالَ كَوْنه مَوجودًا، وبعدَ كَوْنه: حالَ كَوْنه مَعدومًا، فعِلْم اللَّه تعالى يَتعَلَّق بالأشياء في أَحوالها الثلاثِ؛ قبل الوُجود، وحين الوُجود، وبعد العَدَم.
أمَّا عِلْم المَخلوق فلا يَتعلَّق بالأشياء في هذه الأَحوالِ كُلِّها:
قبلَ الوُجود مَعلوم أنه لا يَعلَمها.
وحين الوُجود: لنَفرِضْ أنه يَعلَمها.
وبعد العَدَم: قد يَنْساها.
1 / 15