تفسير الطبري جامع البيان - ط هجر

أبو جعفر ابن جرير الطبري ت. 310 هجري
103

تفسير الطبري جامع البيان - ط هجر

محقق

د عبد الله بن عبد المحسن التركي

الناشر

دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

تصانيف

لِيَفْصِلَ بِذَلِكَ لِعِبَادِهِ اسْمَهُ مِنَ اسْمِ مَنْ قَدْ تُسَمَّى بِأَسْمَائِهِ، إِذْ كَانَ لَا يُسَمَّى أَحَدٌ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ فَيُجْمَعُ لَهُ هَذَانِ الِاسْمَانِ غَيْرَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ؛ وَإِنَّمَا تُسَمَّى بَعْضُ خَلْقِهِ إِمَّا رَحِيمًا، أَوْ يَتَسَمَّى رَحْمَنٌ، فَأَمَّا رَحْمَنٌ رَحِيمٌ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا قَطُّ لِأَحَدٍ سِوَاهُ، وَلَا يُجْمَعَانِ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ. فَكَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ هَذَا: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا فَصَلَ بِتَكْرِيرِ الرَّحِيمِ عَلَى الرَّحْمَنِ بَيْنَ اسْمِهِ وَاسْمِ غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ، اخْتَلَفَ مَعْنَاهُمَا أَوِ اتَّفَقَا. وَالَّذِي قَالَ عَطَاءٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ فَاسِدِ الْمَعْنَى، بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ نَفْسَهُ بِالتَّسْمِيَةِ بِهِمَا مَعًا مُجْتَمِعِينَ إِبَانَةً لَهَا مِنْ خَلْقِهِ، لِيَعْرِفَ عِبَادُهُ بِذِكْرِهِمَا مَجْمُوعِينَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِهِمَا دُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنْ خَلْقِهِ، مَعَ مَا فِي تَأْوِيلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي لَيْسَ فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْغَبَاءِ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الرَّحْمَنَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي لُغَتِهَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ [الفرقان: ٦٠] إِنْكَارًا مِنْهُمْ لِهَذَا الِاسْمِ. كَأَنَّهُ كَانَ مُحَالًا عِنْدَهُ أَنْ يُنْكِرَ أَهْلُ الشِّرْكِ مَا كَانُوا عَالِمِينَ بِصِحَّتِهِ، أَوْ كَأَنَّهُ لَمْ يَتْلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ [البقرة: ١٤٦] يَعْنِي مُحَمَّدًا ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ بِهِ مُكَذِّبُونَ، وَلِنُبُوَّتِهِ جَاحِدُونَ. فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُدَافِعُونَ حَقِيقَةَ مَا قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ وَاسْتَحْكَمَتْ لَدَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ. وَقَدْ أَنْشَدَ لِبَعْضِ الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلَاءِ: [البحر الطويل]

1 / 130