ربما يأتي أحد ويقول الصلاة على الميت ما هو القصد الشرعي منها.
. إن كانت تفيده فستكون الفائدة زيادة على عمله.. وإن لم تكن تعطيه أكثر من عمله فما فائدتها؟. نقول ما دام الشرع كلفنا بها فلها فائدة. وهل تظن أن الصلاة على الميت ليست من عمله؟ هي داخلة في عمله لأنه مؤمن وإيمانه هو الذي دفعك للصلاة عليه.. والذي تدعو له بالخير وبالرحمة وبالمغفرة ويتقبلها الله.. أيقال إنه أخذ غير عمله؟ لا إنك لم تدع له إلا بعد أن أصابك الخير منه.. ولكنك لا تدعو مثلا لإنسان أخذ بيدك إلى خمارة أو إلى فاحشة أو إلى منكر.. بل تدعو لمن أعطاك خيرا فإن استجاب الله لك فهو من عمله. الله سبحانه وتعالى يقول إن ما كان يعمله من سبقكم من الأمم لا تسألون عنه.. وإن كنتم تدعون إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا نقول لكم أنتم لن تسألوا عما كان يعمل إبراهيم ولكن عليكم أنفسكم.. السؤال يكون عن عملكم.
[2.135]
عندما تأتي - قالوا - فمعناها أن الذين قالوا جماعة.. الذين قالوا هم اليهود والنصارى. ولكن كلا منهم قال قولا مختلفا عن الآخر.. قالت اليهود كونوا هودا. وقالت النصارى كونوا نصارى.. ونحن عندنا عناصر ثلاثة: اليهود والنصارى والمشركون. ويقابل كل هؤلاء المؤمنون.. { وقالوا كونوا } [البقرة: 135] من المقصود بالخطاب؟ المؤمنين.. أو قد يكون المعنى وقالت اليهود للمؤمنين والمشركين والنصارى كونوا هودا.. وقالت النصارى لليهود والمشركين والمؤمنين كونوا نصارى.. لأن كل واحد منهما لا يرى الخير إلا في نفسه.. ولكن الإسلام جاء وأخذ من اليهودية موسى وتوراته الصحيحة، وأخذ من المسيحية عيسى وإنجيله الصحيح.. وكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ومعنى ذلك أن الإسلام أخذ وحدة الصفقة الإيمانية المعقودة بين الله سبحانه وبين كل مؤمن.. ولذلك تجد في القرآن الكريم قوله تعالى:
لا نفرق بين أحد من رسله..
[البقرة: 285]. ونلاحظ أن المشركين لم يدخلوا في القول لأنهم ليسوا أهل كتاب. قوله تعالى: { بل ملة إبراهيم حنيفا } [البقرة: 135].. أي رد عليهم، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنني سأكون تابعا لدين إبراهيم وهو الحنيفية.. وهم لا يمكن أن يخالفوا في إبراهيم فاليهود اعتبروه نبيا من أنبيائهم.. والنصارى اعتبروه نبيا من أنبيائهم ولم ينفوا عنه النبوة ولكن كلا منهم أراد أن ينسبه لنفسه. ما معنى حنيفا؟ إن الاشتقاقات اللفظية لابد أن يكون لها علاقة بالمعنى اللغوي.. الحنف ميل في القدمين أن تميل قدم إلى أخرى.. هو تقوس في القدمين فتميل القدم اليمنى إلى اليسار أو اليسرى إلى اليمين هذا هو الحنف.. ولكن كيف يؤتي بلفظ يدل على العوج ويجعله رمزا للصراط المستقيم؟. لقد قلنا إن الرسل لا يأتون إلا عندما تعم الغفلة منهج الله.. لأنه ما دام وجد من أتباع الرسول من يدعو إلى منهجه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يكون هناك خير. النفس البشرية لها ألوان.. فهناك النفس اللوامة تصنع شرا مرة فيأتي من داخل النفس ما يستنكر هذا الشر فتعود إلى الخير.. ولكن هناك النفس الأمارة بالسوء وهي التي لا تعيش إلا في الشر تأمر به وتغري الآخرين بفعله.. إذا فسد المجتمع وأصبحت النفوس أمارة بالسوء ينطبق عليها قول الحق سبحانه:
كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه..
[المائدة: 79]. تتدخل السماء برسول يعالج اعوجاج المجتمع.. ولكن الله تبارك وتعالى وضع عنصر الخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة. قال تعالى:
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون
[آل عمران: 110]. إذن فقد ائتمن الله تبارك وتعالى أمة محمد على المنهج.. وما دام فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلن يأتي رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم. نعود إلى قوله تعالى حنيفا.. قلنا إن الحنف هو الاعوجاج.. ونقول إن الاعوجاج عن المعوج اعتدال.. والرسل لا يأتون إلا بعد اعوجاج كامل في المجتمع.. ليصرفوا الناس عن الاعوجاج القائم فيميلون إلى الاعتدال.. لأن مخالفة الاعوجاج اعتدال.. وقوله تعالى: " حنيفا " تذكرنا بنعمة الله على الوجود كله لأنه يصحح غفلة البشر عن منهج الله ويأخذ الناس من الاعوجاج الموجود إلى الاعتدال.. والهداية عند اليهود والنصارى مفهومها تحقيق شهوات نفوسهم لأن بشرا يهدي بشرا.. والله سبحانه وتعالى قال:
صفحة غير معروفة