100

تفسير الشعراوي

تصانيف

يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون

[الأنبياء: 28]. والإنسان الصالح يحاول أن يشفع لمن أسرف على نفسه فلا تقبل شفاعته ولا يؤخذ منه عدل ولا يسمح لها بأي مساومة أخرى. إذن لا يتكلم عن العدل في الجزاء إلا إذا فشلت الشفاعة. هنا الضمير يعود إلى النفس الجازية. أي التي تتقدم للشفاعة عند الله. فيقول الحق سبحانه وتعالى: { لا يقبل منها شفاعة } فلا يقبل منها أي مساومة أخرى. ويقول سبحانه: { ولا يؤخذ منها عدل }. وهذا ترتيب طبيعي للأحداث. وفي الآية الثانية يتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أن تستشفع بغيرها وتطلب منه أن يشفع لها. لابد أن تكون قد ضاقت حيلها وعزت عليها الأسباب. فيضطر أن يذهب لغيره. وفي هذا اعتراف بعجزه. فيقول يا رب ماذا أفعل حتى أكفر عن ذنوبي فلا يقبل منه. فيذهب إلى من تقبل منهم الشفاعة فلا تقبل شفاعتهم. وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثلا من القرآن الكريم فاقرأ قول الحق تبارك وتعالى:

ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنآ أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون

[السجدة: 12]. هؤلاء هم الذين يطلبون العدل من الله. بأن يعيدهم إلى الدنيا ليكفروا عن سيئاتهم. ويعملوا عملا صالحا ينجيهم من العذاب. ذلك أن الحسنات يذهبن السيئات. فماذا كان رد الحق سبحانه وتعالى عليهم. قال جل جلاله:

فذوقوا بما نسيتم لقآء يومكم هذآ إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون

[السجدة: 14]. فهم عرضوا أن يكفروا عن سيئاتهم بأن طلبوا العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحا. فلم يقبل الله سبحانه وتعالى منهم هذا العرض. اقرأ قوله تبارك وتعالى:

هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جآءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعآء فيشفعوا لنآ أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

[الأعراف: 53]. لقد طلب هؤلاء الشفاعة أولا ولم تقبل. فدخلوا في حد آخر وهو العدل فلم يؤخذ مصداقا لقوله تعالى: { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل }.. وهكذا نرى الاختلاف في الآيتين. فليس هناك تكرار في القرآن الكريم. ولكن الآية التي نحن بصددها تتعلق بالنفس الجازية، أو التي تريد أن تشفع لمن أسرف على نفسه: { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } [البقرة: 48]. والآية الثانية:

لا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة

[البقرة: 123]. أي أن الضمير هنا عائد على النفس المجزي عنها. فهي تقدم العدل أولا:

صفحة غير معروفة