119

تفسير القرآن الكريم - أسامة سليمان

تصانيف

اللين والرفق والشدة في الدعوة
أيها الإخوة الكرام! موضوع هذا اللقاء: اللين والرفق والشدة في سيرة سيد المرسلين ﷺ، وهو استكمال لقوله سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:٤].
فاللين والرفق يقابلهما الشدة، والبعض يسير في جانب اللين على طول الطريق، مع أن الأمر قد يستدعي الشدة في بعض الأحيان، وحتى نوازن بين الأمرين، فسنبين النصوص الشرعية، ونذكر مواقف من سيرة النبي ﵊، وصدق الله سبحانه القائل: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران:١٥٩].
وهذا الكلام لسيد البشر ﵊، فلا شك أن من هو دونه أولى بهذا.
فما هو اللين؟ وما هو الرفق؟ وما هي الشدة؟ وما هي المواقف التي ينبغي أن يستخدم فيها اللين؟ والمواقف التي ينبغي أن يستخدم فيها الشدة؟ النفس البشرية بطبيعتها تميل إلى من يعاملها بلين وتقبل منه، وتأبى وترفض من يعاملها بعنف ويغلظ عليها بالقول، ولا شك في ذلك، فاللين والرفق هما: لين الجانب وتحمل الأذى وحسن الخلق وعدم العنف في المعاملة.
وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبين هذا المعنى.
أرسل الله ﷾ موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:٤٤].
وقد دخل رجل على المأمون في زمن الدولة العباسية فأغلظ له في القول وعنفه، فقال له: يا رجل! لقد أرسل الله من هو أفضل منك إلى من هو شر مني، أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:٤٤].
هناك فرق وخط فاصل بين المداراة والمداهنة، وأرجو الانتباه إليه؛ لأن الله يقول: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم:٩].
فالمداراة كما قال علماء التفسير: أن تضحي بالدنيا لأجل الدين، وأما المداهنة فهي: أن تضحي بالدين لأجل الدنيا.
فالمداراة هي استخدام الألفاظ اللينة وعدم قبول المنكر أو إقرار صاحبه.
واللين في الدعوة ليس معناه مشاركة العاصي وعدم الأخذ على يده وتركه ومجاملته؛ حفاظًا على المودة بينكما، فهذه مداهنة، ولا ينبغي أن تكون أبدًا، وإنما المقصود بالمداراة: استخدام اللفظ الطيب، وخفض الجناح في النصيحة، وقد جاءت النصوص الشرعية تبين هذا المعنى، فرب العزة ﵎ يقول للنبي ﷺ: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [العنكبوت:٤٦].
وهذا قيد مهم.
وانظر إلى حوار فرعون وموسى، والنمرود وإبراهيم، وصاحب الجنتين مع أخيه، وقارون مع قومه فستجد الحوار أحيانًا يأخذ جانب اللين وأحيانًا يأخذ جانب الشدة.
فنوح يقول لقومه: ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [الأحقاف:٢٣].
بعد أن استخدم معهم اللين، وإبراهيم قال لقومه: ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء:٦٧].
فالحوار في القرآن واضح المعالم.
يقول النبي ﷺ: (ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه).
ولما أرسل ﷺ معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال لهما: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا).
وكان يوصي أصحابه ﷺ بالرفق في تعليم الجاهل.
وكان يقول: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).
وقد دعا وقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به).

10 / 3