143

تفسير البغوي - إحياء التراث

محقق

عبد الرزاق المهدي

الناشر

دار إحياء التراث العربي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٠ هـ

مكان النشر

بيروت

تصانيف

زَمَنِ إِدْرِيسَ ﵇، فَعَيَّرُوهُمْ وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلْتَهُمْ فِي الْأَرْضِ [خَلِيفَةً] [١] وَاخْتَرْتَهُمْ، فَهُمْ يَعْصُونَكَ [بأنواع المعاصي] [٢]، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ أَنْزَلْتُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَرَكَّبْتُ فِيكُمْ مَا ركبت فيهم لارتكبتم مثل ما ارتكبوا، فَقَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أن نعصيك، قال اللَّهُ تَعَالَى: فَاخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْ خِيَارِكُمْ أُهْبِطُهُمَا إِلَى الْأَرْضِ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَكَانَا مِنْ أَصْلَحِ الْمَلَائِكَةِ وَأَعْبَدِهِمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ: اخْتَارُوا ثَلَاثَةً فَاخْتَارُوا عَزَا [٣] وَهُوَ هَارُوتُ وَعَزَايَا وهو ماروت، غيّرا اسْمُهُمَا لَمَّا قَارَفَا الذَّنْبَ [وَعَزَائِيلَ] [٤]، فَرَكَّبَ اللَّهُ فِيهِمُ الشَّهْوَةَ وَأَهْبَطَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَأَمَّا عَزَائِيلُ فَإِنَّهُ لِمَا وَقَعَتِ الشَّهْوَةُ فِي قَلْبِهِ استقال [٥] رَبَّهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَأَقَالَهُ، فَسَجَدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَإِنَّهُمَا ثَبَتَا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَا يَقْضِيَانِ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَهُمَا، فَإِذَا أَمْسَيَا ذَكَرَا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ وَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ قَتَادَةُ: فَمَا مَرَّ عَلَيْهِمَا شَهْرٌ حَتَّى افْتَتَنَا، قالوا جميعا، وذلك أنه اختصم إِلَيْهِمَا ذَاتَ يَوْمٍ الزُّهْرَةُ وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ، قَالَ عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁: وَكَانَتْ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، وَكَانَتْ مَلِكَةً فِي بَلَدِهَا، فَلَمَّا رَأَيَاهَا أَخَذَتْ بِقُلُوبَهُمَا، فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ وَانْصَرَفَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَفَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ فَأَبَتْ، وَقَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ تَعْبُدَا مَا أَعْبُدُ وَتُصَلِّيَا لِهَذَا الصَّنَمِ، وَتَقْتُلَا النَّفْسَ وَتَشْرَبَا الْخَمْرَ، فَقَالَا: لَا سَبِيلَ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَانَا عَنْهَا، فَانْصَرَفَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَعَهَا قَدَحٌ مِنْ خَمْرٍ وَفِي أَنْفُسِهِمَا مِنَ الْمَيْلِ إِلَيْهَا مَا فِيهَا، فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَعَرَضَتْ عَلَيْهِمَا مَا قَالَتْ بِالْأَمْسِ، فَقَالَا: الصَّلَاةُ لِغَيْرِ اللَّهِ عَظِيمٌ وَقَتْلُ النَّفْسِ عَظِيمٌ، وَأَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ شُرْبُ الْخَمْرِ فَشَرِبَا الْخَمْرَ فَانْتَشَيَا وَوَقَعَا بِالْمَرْأَةِ، فَزَنَيَا فَلَمَّا فَرَغَا رَآهُمَا إِنْسَانٌ فَقَتْلَاهُ، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: وَسَجَدَا لِلصَّنَمِ، فَمَسَخَ اللَّهُ الزُّهْرَةَ كَوْكَبًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
جَاءَتْهُمَا امْرَأَةٌ من أحسن الناس [وجها] [٦] تخاصم زوجا لها، فَقَالَ أَحَدُهَمَا لِلْآخَرِ: هَلْ سَقَطَ فِي نَفْسِكَ مِثْلُ الَّذِي سَقَطَ فِي نَفْسِي [مِنْ حُبِّ هَذِهِ] [٧]؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَهَلْ لَكَ أَنْ تَقْضِيَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ: لا إلا أن تقضيا لي على زوجي، فقضيا لها ثُمَّ سَأَلَاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ تَقْتُلَاهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، فَقَتَلَاهُ ثُمَّ سَأَلَاهَا [٨] نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا إلّا إِنَّ لِي [٩] صَنَمًا أَعْبُدُهُ [١٠] إِنْ أنتما صلّيتما معي له [١١]

(١) زيد في المطبوع. [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «عزرائيل» .
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «استقبل» .
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع «سألاهم» .
(٩) في المطبوع «لنا» .
(١٠) في المطبوع «تعبده» .
(١١) في المطبوع «عنده» .

1 / 150