المعنى الثاني لفتق السماوات والأرض
وهنا معنى آخر وهو معنى صحيح، ولكنه أكتشف بعد ذلك، ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ [الأنبياء:٣٠].
يقول علماء الفلك: إن الكون كله كان شيئًا واحدًا مقفولًا -السماوات والأرض والنجوم، كلها كانت شيئًا واحدًا- وحصل انفجار عظيم يومًا من الأيام الذي هو بدء الخلق، فالله ﷿ فتق ذلك وتطايرت النجوم فذهب كل نجم إلى مكانه، والكون لا زال يتسع كما أخبر الله ﷿ بذلك.
هذا الكلام لم يقله المسلمون وإنما قاله الكفار، والله يقول: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت:٥٣]، فالكفار رأوا ذلك، والمسلمون سمعوا كلام هؤلاء وأخذوا هذا الشيء، فقالوا: هذا موجود في كتاب ربنا ﷾، وابن عباس لم ير ذلك ولم يبحث في الفلك، وقال ذلك منذ ألف وأربعمائة سنة، يقول ابن عباس: كانت السماوات ملتصقة بالأرض، يعني: النجوم والكواكب والشمس والأرض كانت كلها ملتصقة مع بعضها وربنا ﷾ فتق ذلك، وأبعد بعضها عن بعض.
إذًا: معنى الآية ﴿أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء:٣٠]، أي: باعدنا بينهما، انفصلت كل مجرة إلى مكانها، فإن الكون فيه مجرات كثيرة جدًا تبلغ أكثر من مائة ألف مليون مجرة، والمجرة الواحدة فيها أكثر من مائة ألف مليون كوكب ونجم مثل هذه الشمس التي نراها، فكل هذا كان شيئًا واحدًا، فالله ﷿ خلق السماوات والأرض، وفتق بعضها عن بعض، ثم رفع السماء على الأرض، وكان عرشه على الماء، ثم استوى فوق سماواته ﷾.
﴿أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء:٣٠]، فجعل النجوم تدور في أفلاكها، وكذلك الأرض لها فلك معين تدور فيه، والمجموعة الشمسية كلها تدور بطريقة معينة، فالله ﷿ يصنع ما يشاء في خلقه ﷾.
هذا خلق الله، الذي قال لهؤلاء الكفار: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت:٥٣]، انفتق الكون، ومن ثم ربنا ﷾ يقول: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ﴾ [الذاريات:٤٧]، أي: بقوة ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات:٤٧]، إذًا: انفتقت الكواكب عن هذه الأرض وسنوسع هذا الكون، وأصحاب الفلك يقولون: إن الكون فعلًا يتسع اتساعًا عظيمًا جدًا، وإن كل كوكب يدور حول نفسه ويدور حول مركزه، مثل كواكب المجموعة الشمسية، فالشمس تدور وتجري في هذا الفلك كما يشاء الله ﷿، والأرض وكواكب المجموعة الشمسية تدور كل واحدة حول نفسها ومن ثم تلف حول الشمس في مدار معين.
فقد قال ربنا: ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس:٤٠]، أي: في فلك يدورون، كما سيأتي كلام الله ﷿ بعد ذلك.
4 / 10