230

تفسير أحمد حطيبة

تصانيف

ذكر أقوال الصحابة في معنى الإلحاد
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج:٢٥] قلنا: الإلحاد: هو الزيغ والميل عن طاعة الله سبحانه، والدخول في المعاصي وأعظمها الشرك بالله سبحانه، وجاء عن الصحابة في تفسير (من يرد فيه بإلحاد) تفسيرات كلها تعود لهذا المعنى، فيقول ابن عباس ﵁: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج:٢٥] قال: الشرك، وهذا نوع من أنواع الإلحاد في البيت الحرام، والشرك سواء في المسجد الحرام أم في غيره فهو لا يغفره الله ﷿ إلا أن يتوب العبد ويراجع التوحيد، فالذي يذهب للمسجد الحرام ويدعو غير الله ﷿ يستحق هذه العقوبة الشديدة.
قال عطاء: الشرك والقتل، يعني: الذي يلحد في الحرم هو الذي يقتل مظلومًا أو يشرك بالله ﷿، وقيل: بل معناه صيد الحمام، وقطع شجر الحرم، ودخول الإنسان غير محرم، وهذه كلها من المعاصي التي قد يفعلها الإنسان، فيذهب مسافرًا إلى مكة ثم يدخل الحرم بغير حج ولا عمرة، وكأنه يستهين بهذا المكان الذي شرفه الله سبحانه وعظمه، ولا يرى عليه لله ﷿ حقًا أن يدخل هذا المكان محرمًا.
ومثله الذي يستهين فيصيد حمام الحرم أو يقطع شجرة مستهينًا بالعقوبة في ذلك المكان، فصيد الحمام وقطع الشجر في ذلك المكان من الإلحاد بظلم، فكيف بالإنسان الذي يظلم أخاه المؤمن؟! قال ابن عمر ﵄: كنا نتحدث أن الإلحاد فيه أن يقول الإنسان: لا والله، وبلى والله.
فكلام ابن عمر يدل على أنه بمعنى اللغو في الكلام، فالمقام العظيم في المسجد الحرام يمنع الإنسان أن يتكلم باللغو أو بغير ما ينبغي عليه.
ولذلك كان ابن عمر ﵁ يجعل لنفسه فسطاطين، أي: خيمتين، خيمة في الحل وخيمة في الحرم، فإذا أراد أن يأتي أهله ويتكلم معهم في أمور الدنيا ذهب إلى الخيمة التي في الحل، وإذا أراد العبادة ذهب إلى الحرم، ولا يخلط بين هذه وتلك، وهذا من ورع ابن عمر ﵁.
ومثله أيضًا عبد الله بن عمرو بن العاص ﵁ حيث كان له فسطاطان: أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، وإذا أحب أن يؤدب عياله أدبهم في الخيمة التي في الحل، وإذا أراد أن يصلي صلى في خيمة الحرم، فقيل له: لماذا تفعل هذا الشيء؟ فقال عبد الله بن عمرو: إنا كنا لنتحدث أن من الإلحاد في الحرم أن نقول: كلا والله، وبلى والله، يعني: المنازعة في الكلام، فخاف عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر ﵃ من الوقوع في ذلك في الحرم.

22 / 5