146

تفسير أحمد حطيبة

تصانيف

تفسير قوله تعالى: (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الأنبياء:٩٤]. هذا قيد، فقد يفعل الرجل من الكفار عملًا صالحًا، ولكن لا يقبل منه؛ لأنه ليس مؤمنًا، فشرط قبول العمل أن يكون العامل مؤمنًا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ [الأنبياء:٩٤] للتبعيض لم يقل: من يعمل الصالحات؛ لأنه قليلٌ من يعمل كل الصالحات، بل لعله من التكليف بما لا يطاق، أن كل إنسان يعمل كل الأعمال الصالحة، ولكن الله ﷿ تكرم على العباد فجعل الإنسان يعمل من الصالحات، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. فقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الأنبياء:٩٤] أي: عمل أعمالًا صالحة وكان مؤمنًا فهذا لا كفران لسعيه. قال تعالى: ﴿فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء:٩٤] الكفران بمعنى: الستر، وبمعنى: التضييع، وبمعنى: الجحد، ومنه الكافر، سمي كافرًا لكونه جحد فقال: لا يوجد إله، فكأنه غطى على هذه المعلومة ولم يخرجها ولم يقل بها. والكافر أيضًا: الزارع، وهو الفلاح الذي يضع البذرة في الأرض ويغطي عليها التراب، فهذا كفرها أي: غطاها بالتراب لكي تظهر بعد ذلك. فهذا يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، فهؤلاء زراع وهؤلاء زراع، ولكن عبر في الثاني بالكفار؛ لأن المقصود: أنه زارع، ولكنه من هؤلاء الكفرة، فيعجب الزراع المؤمنين الذين زرع الله ﷿ في قلوبهم الإيمان فنبت أعمالًا صالحة، فتغيظ منهم الكفرة الذين كفروا ربهم، فستروا أمر الله ﷿، وكأنهم قالوا: لا إله، وعبدوا مع الله ﷿ آلهة أخرى، وجحدوا نعم الله ﷿، فوجهوا العبادة لغير الله سبحانه، فهؤلاء الكفار مصيرهم النار، والمؤمنون لا كفران لسعيهم، يعني: لن نضيعه، ولن نستره، ولن نغطيه، ولكن نظهره يوم القيامة في كتاب، وسنجزيهم عليه أعظم الثواب. وقوله تعالى: ﴿لِسَعْيِهِ﴾ [الأنبياء:٩٤] أي: ما سعاه، وما تعب فيه، واجتهد وعمل الصالحات. قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء:٩٤] يطمئن الخلق أن لا شيء يضيع عندنا، فالله ﷿ لا ينسى شيئًا ولكن يطمئنك، ستجد صحيفتك يوم القيامة، وكل أعمالك موجودة في هذه الصحيفة، فيوم القيامة لا يضيع شيء مما عملته. ويفهم من هذه الآية أن الذين يعملون السيئات سيكون عقابهم شديدًا، وعذابهم أليمًا، وتظهر أعمالهم التي عملوها، ولا شيء يضيعه الله ﷾، بل كل شيء يُكتب في كتاب.

13 / 4