136

تفسير أحمد حطيبة

تصانيف

حكم التفضيل بين الأنبياء قال الله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:٨٧]. وذا النون هو سيدنا يونس على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وذو من الأسماء الستة بمعنى صاحب، يعني: صاحب النون، والنون الحوت الضخم الكبير، فذو النون هو صاحب الحوت، وصاحب الحوت هو يونس بن متى على نبينا وعليه الصلاة والسلام. ذكر الله تعالى هنا يونس ﵇ فقال: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا» وذكره الله ﷿ في سورة الصافات فقال: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات:١٣٩ - ١٤٤]. وذكره أيضًا في قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القلم:٤٨ - ٥٠]. هذا كله في سيدنا يونس بن متى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فذكر لنا ربنا ﷾ قصته، ونبينا صلوات الله وسلامه عليه ذكره في الحديث، وقال: (لا يقولن أحدكم: إني خير من يونس بن متى)، ﵊. وفي الحديث الآخر: (لا ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى). وفيه رواية ثالثة: قال: (ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن متى)، وفي رواية: (لا ينبغي لنبي أن يقول: أنا أفضل من يونس بن متى). هذا من تواضع النبي صلوات الله وسلامه عليه، وإلا فهو رسول الله ﷺ أفضل الخلق، وهو سيد ولد آدم ﵊، ومع ذلك قال ذلك تواضعًا؛ حتى إذا قرأ الإنسان هذه الآيات في كتاب الله ﷿ لا يستهين بسيدنا يونس ﵊، ولا يظن أنه لو كان مكانه لفعل أفضل مما فعله، أو يفاضل بين الأنبياء على وجه التحقير للبعض منهم، كأن يقول: لو كان نبينا ﷺ مكانه كان كذا وكذا، فالرسول ﷺ سد الباب، بل يتواضع صلوات الله وسلامه عليه ويهضم نفسه ﷺ ويقول: (رحم الله أخي يوسف لو لبثت في السجن كما لبث ثم جاءني الداعي لبادرت) فهو يهضم نفسه ﷺ ويقول: إن سيدنا يوسف كان على صبر عظيم جدًا، فهو مع أنه كان في السجن ويأتيه الداعي ويقول: تعال كلم الملك، فيقول له: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ [يوسف:٥٠] فالنبي ﷺ يقول: لو كنت مكانه لما قلت هذا الشيء، ولخرجت مباشرة؛ لأن السجن بلاء شديد.

12 / 7