فأخذ سليمان في أجرته يوما سمكتين فباع إحداهما برغيفين ، وشق بطن الأخرى ، فجعل يغسلها ، فإذا هو بالخاتم . فأخذه ، والتفت إليه الملاحون فعرفوه ، فأقبلوا إليه فسجدوا له . وتفسير السجود في سورة يوسف . فقال : ما أحمدكم الآن على السجود ، ولا ألومكم على ما كنتم تفعلون . وذلك أنه كان إذا أصابه الجهد استطعم وقال : أنا سليمان بن داود فيكذبونه ويستخفون به .
فأقبل سليمان إلى ملكه فعرفه الناس واستبشروا به ، وأخبرهم أنه إنما فعله به الشيطان . فاستغفر سليمان ربه فقال : { رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب } [ ص : 35 ] .
فسخر الله له الريح والشياطين ، وسخر له الشيطان الذي فعل به ذلك الفعل ، واسمه صخر ، فأخذه سليمان فجعله في تخت من رخام ، ثم أطبق عليه ، وسد عليه بالنحاس ، ثم ألقاه في عرض البحر . فمكث سليمان في ملكه راضيا مطمئنا حتى قبضه الله إليه حميدا ، صلى الله عليه وسلم .
ثم أتت الشياطين إلى أوليائهم من الأنس فقالوا : ألا ندلكم على ما كان سليمان يملك به الأنس ، وتدين له به الجن ، وتسخر له الرياح؟ فقالوا : بلى . قالوا : احفروا في مصلاه وبيت خزائنه وتحت كرسيه . ففعلوا . فاستخرجوا كتبا كثيرة مكتوبا [ عليها ] : « هذا ما عمل آصف للملك سليمان . فلما قرأوها إذا هي الشرك بالله . وقال صلحاء بني إسرائيل : معاذ الله أن نتعلمه! ولئن كان سليمان يعمل بهذا ويدين الله به لقد هلك سليمان . فتعلمه سفلة الناس من بني إسرائيل وقالوا : الملك خير منا يتعلم ما كنا نتعلم . وفشت اللائمة والقالة السيئة لسليمان في بني إسرائيل حتى عذره الله على لسان محمد A فقال : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } .
قوله : { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } . وهذا الكلام موصول بما قبله . يقول : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } واتبعوا { وما أنزل على الملكين ببابل } يعني الفرقة بين المرء وزوجه .
قال بعض المفسرين : إن السحر سحران : سحر تعلمه الشياطين ، وسحر يعلمه هاروت وماروت .
وقال الحسن : إن الملكين ببابل إلى يوم القيامة . وإن من عزم على تعلم السحر ثم أتاهما سمع كلامهما من غير أن يراهما ويلقاهما بالنظر .
ذكر مجاهد أن الملائكة عجبت من ظلم بني آدم وقد جاءتهم الرسل بالكتب فقال لهم ربهم : اختاروا منكم اثنين أنزلهما يحكمان في الأرض ، فكانا هاروت وماروت . فحكما فعدلا حتى نزلت عليهما الزهرة في صورة أحسن امرأة تخاصم . فقالا لها : ائتينا في البيت . فكشفا لها عن عوراتهما وافتتنا بها . فطارت الزهرة فرجعت حيث كانت . ورجعا إلى السماء فزجرا فاستشفعا برجل من بني آدم ، فقالا له : سمعنا ربك يذكرك بخير [ فاشفع لنا ] . فقال : كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء؟ ثم واعدهما يوما يدعو لهما فيه .
صفحة ٤٤