47
قال : { وإذا صرفت أبصارهم تلقاء } أي نحو { أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } أي من ظالم مشرك ومن ظالم منافق ، وهو ظلم فوق ظلم وظلم دون ظلم ، وهم أهل النار جميعا .
قوله : { ونادى أصحاب الأعراف } وهؤلاء ملئكة نادوا { رجالا يعرفونهم بسيماهم } أي بسواد وجوههم وزرقة أعينهم ، يعني أهل النار { قالوا } لهم { ما أغنى عنكم جمعكم } في الدنيا { وما كنتم تستكبرون } أي عن عبادة الله .
{ أهؤلاء } على الاستفهام ، يعنون أهل الجنة . { الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } . يعني أصحاب الأعراف في تفسير مجاهد . وفي تفسير الحسن يعنون أهل الجنة كلهم . يقول : لأن أصحاب الأعراف من أهل الجنة ، كقوله : { وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم } في الدنيا { من الأشرار } [ سورة ص : 62 ] ، وكقوله هنا : { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } ثم انقطع كلام الملائكة ، وقال لهم الله : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } . وهذا كلام مقطوع من كلام الملئكة يعرفه الراسخون في العلم . وهذا من نحو حديث حذيفة إذ قال : فبينما هم كذلك إذ قال الله لهم : ادخلوا الجنة .
قوله : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } أي الطعام . قال بعض التابعين : الخبز . { قالوا } أي قال أهل الجنة : { إن الله حرمهما على الكافرين } أي الكافرين جميعا من كافر مشرك أو كافر منافق .
{ الذين اتخذوا دينهم } أي في الدنيا { لهوا } أي ملهاة يتلاهون به { ولعبا } أي من جهة اللعب والباطل { وغرتهم الحياة الدنيا } بزخرفها وغرورها { فاليوم ننساهم } أي نتركهم في النار { كما نسوا } أي كما تركوا { لقاء يومهم هذا } أي كما تركوا العمل للقاء هذا اليوم . وإنما نسوا من الخير ولم ينسوا من الشر : أي : تركوا من الخير ولم يتركوا من الشر . قال :
{ وما كانوا بآياتنا يجحدون } يعني أنه ليس أصحاب النار كلهم جاحدين . يقول : وما كانوا ، أي ولم يكونوا . أي : أهل النار جميعا بآياتنا يجحدون . أي : إن من أهل النار الجاحد بآياتنا وغير الجاحد . وهذا حقيقة التأويل؛ لأنه قد دخلت النار بغير الجحود؛ دخلها أكلة الربا ، وراكبو الزنا ، وقاتلو الأنفس ، وآكلو أموال اليتامى وأموال الناس بالباطل ، وغير ذلك من الكبائر الموبقة . والآية جامعة لجميع الكفار من كافر مشرك وكافر منافق على المعنى الذي فسرنا . فمن قال إن أهل النار كلهم جاحدون أكذبه الوجود ، فقد دخلها بغير جحود من وصفنا . ومن قال إنهم جميعا غير جاحدين لقول الله وما كانوا بآياتنا يجحدون ، أي : إنهم جميعا لم يكونوا جاحدين ، أكذبه الوجود أن أهل الجحد والإنكار من أهل النار . قال الله : وما كانوا بأياتنا يجحدون ، فانقطعت قصة أهل الجنة وأهل النار ها هنا .
صفحة ٤١٥