259

تفسير الهواري

تصانيف

94

قوله : { يا أيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا } ذكر بعضهم أنهم نزلت في شأن مرداس رجل من غطفان .

ذكر لنا أن نبي الله بعث جيشا عليهم غالب الليثي إلى أهل فدك ، وبه أناس من غطفان . وكان مرداس منهم؛ ففر أصحابه ، فقال لهم مرداس : إني مؤمن وإني غير متابعكم . فصبحته الخيل غدوة . فلما لقوه سلم عليهم ، فقتلوه ، وأخذوا ما كان معه من متاع؛ فأنزل الله : { يا أيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا } . لأن تحية المؤمنين السلام ، بها يتعارفون ، وبها يلقى بعضهم بعضا ، وهي تحية أهل الجنة .

{ تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } . وذلك في تفسير الحسن أن رجلا من المشركين لما غشيه المسلم في سيره ، ومعه متاع له فرغب فيه وهو على حمار له فذهب ليقتله فقال : إني مسلم فلقيه فقتله ، فأخذ متاعه فأنزل الله هذه الآية : { فعند الله مغانم كثيرة } يعطيكموها . . . إلى آخر الآية .

{ كذلك كنتم من قبل } أي ضلالا { فمن الله عليكم } بالإسلام وهداكم له .

وقال الحسن : كذلك كنتم من قبل مشركين مثلهم فأعطيتم ما أعطاكم فقبل منكم ، فهلا قبلتموه منهم . { فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا } .

قوله : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } . ذكروا عن البراء بن عازب قال : لما نزلت هذه الآية : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله جاء ابن أم مكتوم إلى النبي عليه السلام فقال : يا رسول الله ، أنا كما ترى ، كان أعمى ، فقال رسول الله A : « ادعوا لي زيدا وليأتني باللوح أو الكتف » فأنزل الله : { غير أولي الضرر } ، فأنزل الله عذره .

وقال الحسن : هو كقوله : { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } [ الفتح : 17 ] .

قوله : { فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا } أي المجاهد والقاعد { وعد الله الحسنى } والحسنى الجنة . وعد الله المجاهدين من المؤمنين الجنة . وهذه نزلت بعد ما صار الجهاد تطوعا .

{ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما } .

ذكروا أن رسول الله A قال : « من أقام الصلاة وآتى الزكاة ومات لا يشرك بالله فإن حقا على الله أن يغفر له ، جاهد أو قعد » .

وفي قوله : { فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين } ذكروا عن عطاء أنه قال : من جهز غيره بمال في سبيل الله كان له بكل درهم سبعمائة ضعف ، ومن خرج بنفسه وماله كان له بكل درهم سبعمائة ضعف وبكل ضعف سبعون ألف ضعف ، و { إنما يتقبل الله من المتقين } [ المائدة : 27 ] .

صفحة ٢٥٩