٢٥١ - عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: نا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ حُصِرَ النَّبِيُّ ﷺ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حَتَّى خَلَصَ إِلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمُ الْكَرْبُ، وَحَتَّى قَالَ النَّبِيُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: «اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ» فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، أَرْسَلَ النَّبِيُّ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ: «أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ لَكَ ثُلُثَ تَمْرِ الْأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ غَطَفَانَ، وَتُخَذِّلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟» فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُيَيْنَةُ: " إِنْ جَعَلْتَ لِيَ الشَّطْرَ فَعَلْتُ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: «إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى عُيَيْنَةَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ أَنْ أَجْعَلَ لَهُ ثُلُثَ تَمْرِكُمْ، وَيَرْجِعَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ، وَيُخَذِّلَ بَيْنَ الْأَحْزَابِ، فَأَبَى إِلَّا الشَّطْرَ» فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ «إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ فَامْضِ لِأَمْرِ اللَّهِ» قَالَ: «لَوْ كُنْتُ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ مَا اسْتَأْمَرْتُكُمَا، وَلَكِنَّ هَذَا رَأْيٌ أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا» قَالَا: «فَإِنَّا لَا نَرَى أَنْ نُعْطِيَهُمْ إِلَّا السَّيْفَ» قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: قَالَا: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ «لَقَدْ كَانَ يَمُرُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَجُرُّ سِرْبَهُ فِي عَامِ السَّنَةِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، مَا يُطِيقُ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَالْآنَ لَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ؟»
٢٥٢ - عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: نا مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ النَّبِيُّ: «فَنَعَمْ إِذَنْ»، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَكَانَ يَأْمَنُهُ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَكَانَ مُوَادِعًا لَهُمَا، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ عُيَيْنَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ، إِذْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنِ اثْبُتُوا، فَإِنَّا سَنُحَالِفُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، ⦗٣٣٥⦘ فَقَالَ النَّبِيُّ: «فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ»، وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلًا لَا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ، فَقَامَ بِكَلِمَةِ الْحَدِيثِ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ «إِنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَأَمْضِهِ، وَإِنْ كَانَ رَأْيًا مِنْكَ فَإِنَّ شَأْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقُرَيْشٍ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مَقَالٌ» فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَيَّ الرَّجُلَ، رُدُّوهُ» فَرَدُّوهُ فَقَالَ: «انْظُرِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَكَ فَلَا تَذْكُرُوهُ لِأَحَدٍ» فَكَأَنَّمَا أَغْرَاهُ بِهِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى عُيَيْنَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ فَقَالَ: «هَلْ سَمِعْتُمْ مُحَمَّدًا يَقُولُ قَوْلًا إِلَّا كَانَ حَقًّا؟» فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: فَإِنِّي لَمَّا ذَكَرْتُ لَهُ شَأْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ: «فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ» فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: " سَنَعْلَمُ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ مَكْرًا، فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: إِنَّكُمْ قَدْ أَمَرْتُمُونَا أَنْ نَثْبُتَ، وَإِنَّكُمْ سَتُحَالِفُونَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، فَأَعْطُونَا بِذَلِكَ رَهِينَةً " قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّا لَا نَقْضِي فِي السَّبْتِ شَيْئًا، ⦗٣٣٦⦘ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْتُمْ فِي مَكْرٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَارْتَحِلُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ، وَقَطَعَتْ أَرْسَانَ خُيُولِهِمْ، فَانْطَلَقُوا مُنْهَزِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، فَلِذَلِكَ حِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] قَالَ: فَثَبَتَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهِمْ، فَطَلَبُوهُمْ حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، ثُمَّ رَجَعُوا قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ عَنْهُ لَأْمَتَهُ وَاغْتَسَلَ وَاسْتَجْمَرَ، فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ: عَذِيرَكَ مِنْ مُحَارِبٍ أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللَّأْمَةَ وَلَمْ تَضَعْهَا الْمَلَائِكَةُ بَعْدُ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَزِعًا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ»، فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلَاةَ، فَصَلُّوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: " وَاللَّهِ إِنَّا لَفِي عَزِيمَةِ النَّبِيِّ، وَمَا عَلَيْنَا بَأْسٌ، فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، فَلَمْ يُحَنِّثِ النَّبِيُّ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، ⦗٣٣٧⦘ فَقَالَ: «هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟» فَقَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَيْسَ ذَلِكَ بِدَحْيَةَ، وَلَكِنَّهُ جِبْرِيلُ، أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَهُمْ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ» قَالَ: فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِالْحَجَفِ حَتَّى يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ، فَفَعَلُوا، فَنَادَاهُمْ: " يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ فَاحِشًا قَالَ: " فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقَتَّلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَنِسَاؤُهُمْ، وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَصَابَ الْحُكْمَ»، وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ اسْتَجَاشَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَجَاءَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَاسْتَفْتَحَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا، فَقَالَ سَيِّدُهُمْ: " إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَشْئُومٌ، فَلَا يُشْئِمَنَّكُمْ، فَنَادَاهُمْ حُيَيٌّ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ «أَلَا تَسْتَحْيُونِي؟ أَلَا تَلْحَقُونِي؟ أَلَا تُضَيِّفُونِي، فَإِنِّي جَائِعٌ مَقْرُورٌ» فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: «وَاللَّهِ لَنَفْتَحَنَّ لَهُ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى فَتَحُوا لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ» ⦗٣٣٨⦘ قَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ جِئْتُكُمْ فِي عِزِّ الدَّهْرِ، جِئْتُكُمْ فِي عَارِضِ بَرْدٍ لَا يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُمْ: «أَتَعِدُنَا عَارِضًا بَرْدًا، تَنْكَشِفُ عَنَّا، وَتَدَعُنَا عِنْدَ بَحْرٍ دَائِمٍ لَا تُفَارِقُنَا، إِنَّمَا تَعِدُنَا الْغُرُورَ» قَالَ: " فَوَاثَقَهُمْ، وَعَاهَدَهُمْ: لَئِنِ انْقَضَتْ جُمُوعُ الْأَحْزَابِ أَنْ يَجِيءَ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ، فَأَطَاعُوهُ حِينَئِذٍ فِي الْغَدْرِ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَبِالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ جُمُوعَ الْأَحْزَابِ انْطَلَقَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ ذَكَرَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ والَّذِي أَعْطَاهُمْ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ، فَلَمَّا قُتِلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أُتِيَ بِهِ مَكْتُوفًا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ حُيَيٌّ: «أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهُ يُخْذَلْ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ»
٢٥٢ - عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: نا مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ النَّبِيُّ: «فَنَعَمْ إِذَنْ»، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَكَانَ يَأْمَنُهُ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَكَانَ مُوَادِعًا لَهُمَا، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ عُيَيْنَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ، إِذْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنِ اثْبُتُوا، فَإِنَّا سَنُحَالِفُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، ⦗٣٣٥⦘ فَقَالَ النَّبِيُّ: «فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ»، وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلًا لَا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ، فَقَامَ بِكَلِمَةِ الْحَدِيثِ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ «إِنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَأَمْضِهِ، وَإِنْ كَانَ رَأْيًا مِنْكَ فَإِنَّ شَأْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقُرَيْشٍ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مَقَالٌ» فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَيَّ الرَّجُلَ، رُدُّوهُ» فَرَدُّوهُ فَقَالَ: «انْظُرِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَكَ فَلَا تَذْكُرُوهُ لِأَحَدٍ» فَكَأَنَّمَا أَغْرَاهُ بِهِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى عُيَيْنَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ فَقَالَ: «هَلْ سَمِعْتُمْ مُحَمَّدًا يَقُولُ قَوْلًا إِلَّا كَانَ حَقًّا؟» فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: فَإِنِّي لَمَّا ذَكَرْتُ لَهُ شَأْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ: «فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ» فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: " سَنَعْلَمُ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ مَكْرًا، فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: إِنَّكُمْ قَدْ أَمَرْتُمُونَا أَنْ نَثْبُتَ، وَإِنَّكُمْ سَتُحَالِفُونَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، فَأَعْطُونَا بِذَلِكَ رَهِينَةً " قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّا لَا نَقْضِي فِي السَّبْتِ شَيْئًا، ⦗٣٣٦⦘ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْتُمْ فِي مَكْرٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَارْتَحِلُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ، وَقَطَعَتْ أَرْسَانَ خُيُولِهِمْ، فَانْطَلَقُوا مُنْهَزِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، فَلِذَلِكَ حِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] قَالَ: فَثَبَتَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهِمْ، فَطَلَبُوهُمْ حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، ثُمَّ رَجَعُوا قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ عَنْهُ لَأْمَتَهُ وَاغْتَسَلَ وَاسْتَجْمَرَ، فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ: عَذِيرَكَ مِنْ مُحَارِبٍ أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللَّأْمَةَ وَلَمْ تَضَعْهَا الْمَلَائِكَةُ بَعْدُ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَزِعًا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ»، فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلَاةَ، فَصَلُّوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: " وَاللَّهِ إِنَّا لَفِي عَزِيمَةِ النَّبِيِّ، وَمَا عَلَيْنَا بَأْسٌ، فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، فَلَمْ يُحَنِّثِ النَّبِيُّ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، ⦗٣٣٧⦘ فَقَالَ: «هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟» فَقَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَيْسَ ذَلِكَ بِدَحْيَةَ، وَلَكِنَّهُ جِبْرِيلُ، أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَهُمْ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ» قَالَ: فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِالْحَجَفِ حَتَّى يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ، فَفَعَلُوا، فَنَادَاهُمْ: " يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ فَاحِشًا قَالَ: " فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقَتَّلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَنِسَاؤُهُمْ، وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَصَابَ الْحُكْمَ»، وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ اسْتَجَاشَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَجَاءَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَاسْتَفْتَحَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا، فَقَالَ سَيِّدُهُمْ: " إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَشْئُومٌ، فَلَا يُشْئِمَنَّكُمْ، فَنَادَاهُمْ حُيَيٌّ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ «أَلَا تَسْتَحْيُونِي؟ أَلَا تَلْحَقُونِي؟ أَلَا تُضَيِّفُونِي، فَإِنِّي جَائِعٌ مَقْرُورٌ» فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: «وَاللَّهِ لَنَفْتَحَنَّ لَهُ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى فَتَحُوا لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ» ⦗٣٣٨⦘ قَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ جِئْتُكُمْ فِي عِزِّ الدَّهْرِ، جِئْتُكُمْ فِي عَارِضِ بَرْدٍ لَا يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُمْ: «أَتَعِدُنَا عَارِضًا بَرْدًا، تَنْكَشِفُ عَنَّا، وَتَدَعُنَا عِنْدَ بَحْرٍ دَائِمٍ لَا تُفَارِقُنَا، إِنَّمَا تَعِدُنَا الْغُرُورَ» قَالَ: " فَوَاثَقَهُمْ، وَعَاهَدَهُمْ: لَئِنِ انْقَضَتْ جُمُوعُ الْأَحْزَابِ أَنْ يَجِيءَ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ، فَأَطَاعُوهُ حِينَئِذٍ فِي الْغَدْرِ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَبِالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ جُمُوعَ الْأَحْزَابِ انْطَلَقَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ ذَكَرَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ والَّذِي أَعْطَاهُمْ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ، فَلَمَّا قُتِلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أُتِيَ بِهِ مَكْتُوفًا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ حُيَيٌّ: «أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهُ يُخْذَلْ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ»
1 / 333