324

تفسير اطفيش

تصانيف

268

{ الشيطان يعدكم الفقر } يخبركم بوقوعه عن الإنفاق تخويفا لكم به لئلا تنفقوا ألبتة أو الأردياء { ويأمركم بالفحشآء } بما أنكره العقل واستقبحه الشرع ، ومنه البخل ، وهو المراد بالذات من هذا العموم ، لأن سوق الكلام لبيان حال الإنفاق وتركه ، وقيل ، الكلمة السيئة ، وقيل ، المراد هنا إنفاق الردىء ، وقيل ، الزنا ، والعموم أولى ، وأسند الوعد إلى الشيطان مبالغة بأنه نزله منزلة أفعاله التى تصدر منه ، كأنه هو الموقع للفقر ، من حيث إن الوعد الإخبار بما يكون من المخبر ، بكسر الباء كذا يقال ، وأولى منه ، أنه الإخبار ولو من غيره ، وأصله فى الخير والشر ، وغلب فى الخير استعمالا ، والوعيد يختص بالشر ، والوعد فى الآية شر ، ويختص أوعد بالشر ، ومن استعمال وعد فيه قوله تعالى : « متى هذا الوعد » وهذه الآية ، فإن الفقر شر ويجوز حمل الوعد هنا على الخير تهكما ومجازا للإطلاق والتقييد ، أو للمشاكلة لقوله تعالى { والله يعدكم مغفرة منه } لذنوبكم بالإنفاق ، أو مغفرة لفحشائكم ، ولفظ منه تأكيد فى الشأن { وفضلا } خلف رزق ، وزيادة فى الثواب ، والشيطان كاذب فى وعيده ، قيل ، يجوز أن يكون الفقر فى الآية خبرا ، وهو قول بعيد ، أو سماه وعدا ، والوعد غالب فى الخير مشاكلة لقوله تعالى : والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ، وتسمية إغراء الشيطان أمرا استعارة تصريحية ، لأنه ليس يكلم إنسانا ويسمعه ، وقدم الوعد على الأمر لأنه يتقدم فيصغى إليه ، ثم يأمر به فينفذ ، والأولى أن كلا على حدة ، بعد الفقر بالإنفاق ، ويأمر بالفحشاء على الإطلاق { والله وسع } فضلا { عليم } بالمنفق المخلص وبما ينفق من جيد وردىء . روى الترمذى ، وقال : حسن غريب ، عن ابن مسعود ، عن رسول الله A : « إن للشيطان بابن آدم لمة ، وللملك لمة به ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فوعد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان » ثم قرأ : الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ، ولمة الملك خطرته بالقلب بخير إلهاما من الله ، ولمة الشيطان بالوسوسة وفى البخارى ومسلم ع ن أبى هريرة عنه A « ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان ، يقول أحدهما ، اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا » .

صفحة ٣٢٤