91
{ وإذ قيل لهم ءامنوا بمآ أنزل الله } القرآن ، أو القرآن والتوراة وغيرهما من كتب الله ووحيه ، وهذا إشارة إلى أنهم كفروا بكتب الله ووحيه كلها ، إذ كفروا ببعض التوراة ، فإنه من كفر بكتاب أو ببعضه أو بنبى فقد كفر بجيمع الكتب والأنبياء { قالوا نؤمن } نستمر على الإيمان { بمآ أنزل علينا } أى كلفنا به فى كتبنا ، مع أنهم لم يؤمنوا بها ، إذ كفروا ببعضها { ويكفرون بما وراءه } أى سورى ما أنزل إلينا ، وهو التوراة ، كقوله ، ليس وراء الله منتهى ، أو بمعنى بعده ، والمراد على الوجهين القرآن لقوله تعالى { وهو الحق مصدقا لما معهم } فإن هذا فى القرآن مستعمل للقرآن ، ولا مانع من أن يراد بما وراءه كتب الله ، فإنها كلها حق مصدق للتوراة ، لأنها كلها أمر بالتوحيد وطاعة الله ، واتباع كتبه ورسله ، أو يقال : ما وراءه هو القرآن والإنجيل ، كما أن التوراة مصدقة أيضا لغيرها من كتب الله ، ثم إنه إما أن يخصص ما أنزل الله بالتوراة والقرآن أو يعمم وهو الحق لجميع ما سوى التوراة ، وعلى كل حال تناقض كلامهم ، لأن كفرهم بما وراءه حال الإيمان بالتوراة يستلزم عدم الإيمان به ، وجه الحص التقييد بالحال . وهو مصدقا ، فإن غير القرآن والإنجيل ولو صدق ما عندهم ، لكن لم يذكر فيه تصديق ما عنده باسمه ، ولكن فيه ، أن التصديق بالموافقة يكفى ، لعل الحصر هنا غير مراد ، أو يراد حصر غير ما شهر ، وهى معنى هو الحق لا غير الحق { قل } لهم يا محمد ، أو من يصلح للمناظرة { فلم تقتلون } يقتل آباؤكم ، ورضيتم بقتلهم وصوبتم ، تتعاطون مثل فعلهم لو وجدتم { أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } بالتوراة ، ولقد نهيم فيما عن قتل الأنبياء ، غيرهم ، وعن سائر الظلم ، أو أن نافية ، أى ما كنتم مؤمنين بها ، إذ خالفتموهما ، ويجوز أن يكون قولهم « نؤمن بما أنزل علينا » بمعنى نؤمن به نحن وأسلافنا ، أى نؤمن به كما آمن أسلافنا ، فلما ادعوا إيمانهم وإيمان أسلافهم توجه لاعتراض عليهم بأنكم وآباءكم إن آمنتم بالتوراة فلم قتلوا الأنبياء ، فيكون فلت تقتلون تغليبا .
صفحة ١٠٨