[المؤمنون:70].
وقد تقرر بنيان هذا البيان في كثير من الأحاديث القدسية والنبوية، مثل قوله تعالى: كلكم ضال الا من هديته فاسألوني الهدى اهدكم، وكلكم فقير الا من أغنيته فاسألوني أرزقكم، وكلكم مذنب الا من غفرته فمن علم منكم مني اني ذو قدرة على المغفرة فاستغفر غفرت ولا ابالي.
فلو أن الناس أهملوا وطبائعهم وتركوا سدى، وخلي بينهم وبين طبائعهم، لتوغلوا في الدنيا، وانهمكوا في اللذات الجسمانية، وطلبوا دواعي القوى الظلمانية لضراوتهم واعتيادهم بها من الطفولية والصبى، حتى زالت استعداداتهم، وانسلخوا عن رتبة الإنسانية فمسخوا ومثلوا بالبهائم والسباع، كما قال تعالى:
وجعل منهم القردة والخنازير
[المائدة:60] وإن حوفظوا ودعوا بالسياسات الشرعية والعقلية، والحكم والآداب النبوية، ترقوا وتنورت بواطنهم بنور الملكية كما قال الشاعر:
هي النفس ان تهمل تلازم خساسة
وإن تنبعث نحو الفضائل تلهج
فلهذا وضعت العبادات، وفرض عليهم تكرارها في الأوقات المعينة، ليزول بها درن الطبائع المتراكمة في أوقات الغفلات، وظلمة الشواغل العارضة في أزمنة اتخاذ اللذات، وارتكاب الشهوات، وتتنور بواطنهم بنور الحضور، وتنبعث قلوبهم بالتوجه الى الحق عن السقوط في هاوية النفس والعثور، وتنشرح صدورهم وتستريح بروح الروح، وحب الوحدة عن وحشة الهوى وتفرق الكثرة، كما قال (صلى الله عليه وآله):
" الصلاة الى الصلاة كفارة ما بينهما من الصغائر ما اجتنبت الكبائر ".
ألا ترى كيف أمرهم عند الحدث الأكبر ومباشرة الشهوة بتطهير البدن بالغسل، وعند الحدث الأصغر بالوضوء، وعند الاشتغال بالأشغال الدنيوية في ساعات الليل والنهار بالصلوات الخمس المزيلة لكدورات مدركات الحواس الخمس الحاصلة للنفس منها كل بما يناسبه.
صفحة غير معروفة