وإنما قلنا " لا ريب فيه " يراد منه نفي الريب بالكلية، لأن " لا " نفي لماهية الريب وجنسها، ونفي الماهية يقتضي نفي كل فرد من أفرادها، لأنه لو ثبت فرد من أفرادها، لثبتت الماهية معه، وذلك يناقض نفيها بالكلية.
ولهذا السر كان قولنا: لا إله إلا الله، نفيا لجميع الآلهة سوى الله.
وأما قراءة " لا ريب فيه " بالرفع، نقيض قولنا: ريب فيه، كما قرأها ابو الشعثاء، فذلك النفي لا يوجب انتفاء جميع الأفراد، لأنه ليس لنفي الماهية، بل لنفي فرد من الأفراد، وهو لا ينافي ثبوت فرد آخر.
واعلم أنه إذا جعل " ذلك الكتاب " إشارة الى القرآن الحاضر عندنا، فيكون معنى " لا ريب فيه ": أنه لوضوحه وسطوع برهانه بحيث لا يرتاب العاقل بعد إمعان النظر الصحيح والفكر السليم في كونه وحيا من عند الله، بالغا حد الإعجاز، لا ان أحدا لا يرتاب فيه، فليس المراد نفي الريب على سبيل الاستغراق فيه، إذ كم من مرتاب فيه.
بل المراد نفي كونه مظنة للريب ومتعلقا له.
ألا ترى الى قوله:
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله
[البقرة:23] الآية، فإنه ما أبعد وجود الريب عنهم، بل بين لهم الطريق الى أزاحة ذلك عن أذهانهم، وهو أن يجتهدوا ويجربوا نفوس أمثالهم في معارضة نجم من نجومه، وهم أمراء الكلام وزعماء المحاورة، ويبذلوا غاية جهدهم في مقابلة سورة من سوره، وهم فرسان اللسان والمتهالكون على الافتنان في القصائد والرجز، حتى إذا عجزوا عنها تحقق لهم أن ليس في كونه بالغا من الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بذت بلاغة كل ناطق، وشقت غبار كل سابق، محال للشبهة ولا مدخل للريبة.
ليعلموا أنه لم يتجاوز الحد الخارج من قول الفصحاء، ولم يقع وراء مطامح عيون البصراء، إلا لأنه ليس بكلام البشر، وأنه كلام خالق القوى والقدر.
وقيل: معناه: لا ريب فيه للمتقين، و " هدى " حال من الضمير المجرور، والعامل فيه الظرف الواقع صفة للمنفي.
صفحة غير معروفة