لما اقترفت نفسي إلي لراهب
{ أفغير الله أبتغي حكما } فيه إضمار، أي قل يا محمد: أفغير الله أطلب حاكما يحكم بيني وبينكم { وهو الذي أنزل إليكم الكتاب } ، يعني القرآن { مفصلا } بين الحلال والحرام والكفر والإيمان، وقيل: يفصل بين الصادق والكاذب { والذين آتيناهم الكتاب } هم أهل التوراة والانجيل { يعلمون أنه } نبي وأن القرآن { منزل } وقيل: هم كبراء الصحابة، وأصحاب بدر والكتاب القرآن.
[6.115-121]
قوله تعالى: { وتمت كلمت ربك } ، قيل: هو القرآن { صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته } يعني لا مغير لها { وهو السميع العليم } { وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك } قيل: الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: المراد هو وغيره { يضلوك عن سبيل الله } يعني عن دين الله تعالى { وان هم إلا يخرصون } أي يكذبون، قوله تعالى: { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } الآية نزلت قيل: إنه لما نزل تحريم الميتة كتب مجوس فارس إلى مشركي العرب أن محمد يزعم أنه متبع لأمر الله تعالى، وما ذبح الله لا يأكلونه وما ذبحوه يأكلونه، فكتب المشركون بذلك إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآية، وقيل لهم: أحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله، وقوله: { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } الخطاب للمؤمنين، وقيل: هو عام مما ذكر اسم الله عليه يعني عن ذبحه ذكر اسم الله دون الميتة وما ذبح وسمي عليه الأصنام واسم الله قيل: هو بسم الله، وقيل: هو كل قول ذكر الله فيه تعظيم كقول الله أو بذكر الرحمن كقوله تعالى:
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها
[الأعراف: 180]، وقوله: { إن كنتم بآياته مؤمنين } فكلوا مما أحل دون ما حرم { وما لكم } أي ما الذي يمنعكم { ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه } عند الذبح { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } أي بين، قيل: هو ما ذكره تعالى في سورة المائدة في قوله تعالى:
حرمت عليكم الميتة
[المائدة: 3] إلى آخرها { إلا ما اضطررتم اليه } من الجوع وخاف على نفسه حل أكله { وان كثيرا ليضلون بأهوائهم } يضلون أنفسهم وغيرهم باتباع أهوائهم بالتحليل والتحريم دون اتباع الأدلة والشريعة { بغير علم } يعني أنهم لم يعتقدوا ذلك عن يقين وعلم { إن ربك هو أعلم بالمعتدين } من المجاوزين الحد في أمر الله تعالى ونهيه في الحلال والحرام { وذورا ظاهر الاثم وباطنه } ، قيل: قليله وكثيره، وقيل: ما ظهر تحريمه وما فيه شبهه، وقيل: افعال الجوارح وأفعال القلوب، وقيل: الظاهر ما يعمله الناس، والباطن ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وقيل: الذنوب كلها لأنها لا تخلو من هذين الوجهين، وقيل: عن قتادة سره وعلانيته وقليله وكثيره { إن الذين يكسبون الاثم سيجزون } في الآخرة { بما كانوا يقترفون } أي يكتسبون في الدنيا { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق } نزلت في المشركين الذين قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها، قال الله تعالى قالوا: ما قتل الله فلا تأكلوه وما قتلتم أنتم بأيديكم أكلتموه فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقيل: ان قوما من مجوس فارس كتبوا إلى مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية أن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، ثم يزعمون أن ما ذبحوه حلال، وما قتله الله حرام، فوقع في أنفس الناس من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ، قيل: هو الميتة، وقيل: ما ذبح على النصب وأنه يعني الأكل لفسق، قوله تعالى: { وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } أن يلقون إليهم الشبهة، قيل: أهل فارس يلقون إلى مشركي قريش، وقيل: شياطين الجن يوسوسون إلى أوليائهم من الإنس الكفار { وإن أطعمتموهم } في أكل الميتة { إنكم لمشركون }.
[6.122-125]
قوله تعالى: { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } الآية، قيل: نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحياه الله بالرسالة وأبو جهل كالميت بالكفر، وقيل: نزلت في حمزة وأبو جهل وذلك أن أبا جهل آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبر حمزة وهو على دين قومه فغضب ومعه قوس فضرب بها رأس أبي جهل، وآمن فنزلت الآية، وقيل: نزلت الآية في عمار بن ياسر حين آمن، وقوله: يمشي به في الناس، قيل: القرآن، وقيل: الايمان كمن مثله في الظلمات، قال بعضهم: المثل زائد تقديره كمن في الظلمات، وقال بعضهم: كمن مثله لو شبه بشيء كان يشبهه في الظلمات ظلمة الكفر والضلال ليس بخارج منها يعني لم يبصر رشدا ولم يعرف حقا { كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } ، قيل: زينوا لأنفسهم كما يقال فلان معجب بنفسه { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } أي خلقناهم وجعلناهم كبراء عظماء بأن أنعمنا عليهم بالأموال والأولاد وأمهلناهم فصاروا مجرمين ماكرين، وقيل: معناه لئلا يمكروا فمكروا { وما يمكرون إلا بأنفسهم } لأن وبال ذلك يعود عليهم { وما يشعرون } أنه كذلك { وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله } الآية نزلت في الوليد بن المغيرة قال: لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني اكبر منك سنا وأكثر منك مالا فنزلت، وقيل: نزلت في أبي جهل قال والله لا نؤمن به ولا نتبعه حتى يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت { سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله } ، قيل: ذل وهوان، وقيل: قتل { و } في الآخرة { عذاب شديد } وقيل: صغار في الدنيا، وعذاب في الآخرة { بما كانوا يمكرون } قوله تعالى: { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } يعني يلطف به ولا يريد أن يلطف إلا بمن له لطف وشرح صدره للإسلام فيلطف به حتى يرغب في الإسلام { ومن يرد أن يضله } أي يخذله ويخليه وشأنه وهو الذي لا لطف له { يجعل صدره ضيقا حرجا } يمنعه ألطافه حتى يقسو قلبه { كأنما يصعد في السماء } أي كما يحاول أمرا غير ممكن لأن صعود السماء مثل مما يبعد ويمتنع يعني يشق عليه الايمان كما يشق عليه صعود السماء { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } ، قيل: أراد بالرجس العذاب في الآخرة، وقيل: فمن يرد الله أن يهديه إلى الثواب والجنة يوم القيامة جزاء على ما فعله لأنه مؤمن يستحق الثواب يشرح صدره في الدنيا بالالطاف وزيادة الهدى للإسلام أي لأجل الإسلام، ومن يرد أن يضله عن الثواب وطريق الجنة يوم القيامة جزاء على كفره لأنه يستحق العذاب يجعل صدره ضيقا شديد الضيق، والحرج الشديد: الضيق.
صفحة غير معروفة