وعن البراء بن عازب:
" لما نزل قوله: { وأنذر عشيرتك الأقربين } جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا، الرجل منهم يأكل الجذعة، ويشرب العس على رجل شاة وقعب من اللبن، فأكلوا وشربوا حتى رووا، ثم أنذرهم ودعاهم الإيمان وقال: " من يوآزرني ويؤاخيني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي؟ " فسكت القوم، فأعادها ثلاثا والقوم سكوت، وعلي يقول: " أنا " فقال المرة الثالثة: " أنت " فقاموا يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمره عليك "
، روي الكلام المتقدم في الحاكم لا غير، وروي أنها لما نزلت قال:
" يا بني عبد المطلب، يا بني هاشم، يا بني عبد مناف، افتدوا نفوسكم من النار فإني لا أغني عنكم من الله شيئا "
، وقيل: خصهم بالذكر لتعريف أنه لا يغني عنهم من عذاب الله شيئا إن عصوه، قوله تعالى: { واخفض جناحك } يعني ألن جنابك { لمن اتبعك من المؤمنين } وإنما خص المؤمنين لأن فيمن اتبعه منافقين { فإن عصوك } فيما تدعوهم إليه يعني العشيرة، وقيل: هو عام { فقل إني بريء مما تعملون } من عبادة غير الله ومعاصيه ف { توكل على العزيز الرحيم } يكفيك شر من يعصيك منهم وغيرهم، والتوكل: تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره { العزيز الرحيم } الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم { الذي يراك حين تقوم } للصلاة الناس جماعة { وتقلبك في الساجدين } المصلون، وقيل: تصرفه فيما بينهم بقلبه وركوعه وسجوده وقعوده، ويحتمل إنه لا يخفى عليه حالك، وقيل: تصرفك في أصحابك، وقيل: هو تقلب بصره فيمن يصلي خلفه من قوله (عليه السلام):
" أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلف ظهري إذ ركعتم وسجدتم "
{ إنه هو السميع العليم } يسمع لما قالوا، العليم بنا ينوونه ويعلمه.
[26.221-227]
{ هل أنبئكم } أخبركم { على من تنزل الشياطين } { تنزل على كل أفاك أثيم } يفعل الإثم. قيل: هم الكهنة والمتنبئة كشق وسطيح ومسيلمة وطليحة { يلقون السمع } هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يسمعون إلى الملأ الأعلى فيحفظون بعض ما يتكلمون به عما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون إلى أوليائهم لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا، وقيل: يلقون إلى أوليائهم السمع، أي المسموع من الملائكة، وقيل: الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيلقون وحيهم إليهم أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس { وأكثرهم } الأفاكون { كاذبون } يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم { والشعراء يتبعهم الغاوون } ، قيل: غواة قومه، وقيل: الرواية، وقيل: كفار الإنس والجن، قال جار الله: والشعراء وما هم عليه من الهباء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب، ومدح من لا يستحق المدح، لا يستحسن ذلك ولا يطرب على قولهم إلا الغاوون السفهاء، وقيل: الغاوون: الراوون، وقيل: الشياطين، وقيل: هم شعراء قريش عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن وهب المخزومي ومسافع بن عبد مناف قالوا: نحن نقول مثل ما يقول محمد، وكانوا يهجونه ويجتمعون إليهم الأعراب يستمعون { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون } يعني وادي من أودية الكلام، وقيل: أراد المذاهب المختلفة كقوله: " أنت في واد وأنا في واد " { يهيمون } يذهبون { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } من الغزل والمدح والذم { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وهم شعراء المؤمنين كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، والكعبان كعب بن مالك، وكعب بن زهير، قال جار الله: استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله وتلاوة القرآن، وإذا قالوا شعرا قالوه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد ومدح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدح الأمة وكان هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لحسان:
" قل فروح القدس معك "
صفحة غير معروفة