[3.51-54]
{ إن الله } المصلح المدبر لحالي وحالكم { ربي وربكم } أحسن تربيتي بفضله ولطفه وتربيتكم بأن أرسلني إليكم، وإذا سمعتم ما جئت به وأطعتم بمضمونه { فاعبدوه } حتى تعرفوه واعلموا أن { هذا } أي: العبادة والإيمان { صراط مستقيم } [آل عمران: 51] إلى اليقين والعرفان، فعلكيم أن تسلكوه على الوجه الذي أمرت به، والله المستعان، يوصلكم إلى غاية متمناكم، ونهاية مقصدكم ومرامكم.
{ فلمآ أحس عيسى } أي: شعر وأدرك بنور النبوة { منهم الكفر } وعدم تأثرهم بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة { قال } مستفسرا مستبشرا، إظهارا للمحبة معهم اختبارا لهم على مقتضى وفق النبوة { من أنصاري } في إهداء المضلين { إلى } سبيل { الله } ينصرني ويعينني عليه؟ { قال الحواريون } أي: الجماعة من أصحابه المنسوبة إلى الحور الذي هو البياض؛ لصفاء قلوبهم وعقائدهم عن كدورة النفاق والشقاق، وخلوص طويتهم بالوفاق: { نحن أنصار } رسول { الله } ننصرك بقدر وسعنا وطاقتنا في إجراء أحكام الله وتنفيذ أوامره؛ لأنا { آمنا بالله } المرسل للرسل، المنزل الكتب بتبليغك إيانا { واشهد } أيها الداعي للخلق إلى الحق لنا يوم العرض الأكبر عند الملك المقتدر { بأنا } مع إيماننا وإخلاصنا فيه { مسلمون } [آل عمران: 52] منقادون مطيعون لما جئت به من عند ربنا لإصلاح حالنا.
ثم لما اعترفوا بالإيمان بالله وبنصرة رسوله المبلغ لأحكامه، وأشهدوا على إيمانه وإسلامهم، ناجوا مع الله مخبتين مخلصين في سريهم حيث قالوا: { ربنآ } يا من ربانا بإرسال الرسل وإنزال الكتب { آمنا } بتوفيقك وبإرشادك رسلك { بمآ أنزلت } من الكتاب المبين لأحكامك المنبهة المتعلقة لتوحيدك { و } مع الإيمان به { اتبعنا } في امتثال ما أمرت له فيه { الرسول } المنزل عليه، المتمثل بجميع أوامره الموسلة إلى الكشف والشهود { فاكتبنا } بفضلك { مع الشهدين } [آل عمران: 53] الذين لا يشهدون في الوجود سوى شمس ذاتك وتجلياتها.
{ ومكروا } احتالوا؛ أي: الكافرون المحسوسون بالكفر في قتل عيسى عليه السلام بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة { ومكر الله } معهم في إنجائه ورفعه إلى السماء، وإلقاء شبهة على من اغتال عليه حتى قتل مجانا على مظنة أنه هو، مع أنه رفع إلى السماء { والله } المنتقم عن من ظلم لأجل من ظلم { خير الماكرين } [آل عمران: 54] أي: أقوى المحتالين لمن اغتال عليه لقتله.
[3.55-58]
اذكر يا أكمل الرسل { إذ قال الله } إعلاما لعيسى عليه السلام حين هموا بقتله وعينوا من اغتال عليه وهو غافل عن كيدههم: { يعيسى إني } بغلبة لاهوتيتي عليك { متوفيك } مصفيك عن ناسوتيتك المانعة عن الوصول إلى مقر العز { و } بعد تصفيتك عن كدورة ناسوتيتك { رافعك } بعد ارتفاع موانعك { إلي } إذ لا مرجع لك غيري { و } بعد رفعك { مطهرك } ومزكيك { من } حجاب { الذين كفروا } ستروا بغيوب أنانتيك الباطلة شمس الذات الظاهرة على جميع الذرات { و } إني بعد رفعك إلي { جاعل الذين } آمنوا بك و { اتبعوك } في جميع ما جئت به لإصلاح حالهم { فوق الذين كفروا } أي: أعلى رتبة وأشرف منزلة ومكانة { إلى يوم القيامة } بحيث
ضربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءو بغضب من الله
[البقرة: 61] ولهم عذاب أليم.
وبعد ظهور عيسى عيه السلام لم يتفق غلبة اليهود أصلا، بل كانوا منكوبين منكوسين دائما إلى الآن { ثم } قال سبحانه بلسان التوحيد على وجه التنبيه لعيسى ولمن آمن له، ولمن أنكر عليه وكفر: { إلي مرجعكم } جميعا في النشأة الأخرى أيها المختلفون في أمر الدين والإطاعة والإيمان والكفر في النشأة الأولى { فأحكم بينكم } بعد رجوعكم إلي { فيما كنتم فيه تختلفون } [آل عمران: 55] لعى مقتضى علمي وإرادتي.
صفحة غير معروفة