457

[يونس: 62].

[24.53-56]

{ و } من خباثة بواطنهم أهل الشرك والشقاق، وشدة شيكمتهم ونفاقهم معك يا أكمل الرسل: { أقسموا بالله } تروجيا لنفاقهم وتغريرا للمؤمنين { جهد أيمانهم } وغاية حلفهم، مبالغين فيها، مغلظين منكرين للامتناع عن حكم الرسول بقولهم، والله { لئن أمرتهم } يا أكمل الرسل؛ أي: المنافقين بالخروج عن الديار، والجلاء عن الوطن { ليخرجن } عنها بلا مطل وتسويف، ممتثلين أمرك، فيكف يتأتى منا الامتناع عن حكمك وما هو إلا من غاية تلبيسهم ونافقهم.

{ قل } لهم يا أكمل الرسل بعدما تيقنت نفاقهم بالهام منا إليك ووحي: { لا تقسموا } بالله أيها المسرفون المفرطون، ولا تبالغوا في الحلف الكاذب، فإن المطلوب منكم { طاعة معروفة } مشهورة بين الناس بلا إتيان مخالفة منكم ظاهرا، وأما أمر بواطنكم وقلوبكم فسره عند الله { إن الله } المطلع لسرائركم وضمائركم { خبير بما تعملون } [النور: 53] وتقصدون في نفوسكم، يجازيكم على مقتضى خبرته.

{ قل } يا أكمل الرسل للناس على سبيل التبليغ العام، والراسلة المطلقة: { أطيعوا الله } المظهر لكم من كتم العدم، وانقادوا لجميع أوامره ونواهيه { وأطيعوا الرسول } المبعوث إليكم، وصدقوه في جميع ما جاء به من عند ربكم { فإن تولوا } وانصرفوا بعدما بلغت رسالتك حق التبليغ { فإنما عليه } أي: على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جزاء { ما حمل } من التبليغ وإظهار الدعوة وتبيين الرسالة، { وعليكم } أيها السامعون جزاء { ما حملتم } من الامتثال والانقياد { و } اعلموا أيها المتوجهون نحو الحق { إن تطيعوه } أي: الرسول، وتصدقوا قوله، وتعلموا على مقتضى ما أمرتم على لسانه { تهتدوا } إلى معرفة ربكم وتفوزوا بتوحيده، { و } إن لم تطيعوا له، وتهتدوا إلى ما جبلتم لأجله { ما على الرسول } المأمور بالدعوة والتبليغ { إلا البلاغ المبين } [النور: 54] الظاهر الواضح؛ لئلا يشتبه عليكم أمر الدين، فإن امتثلتم بما سمتعتم منه فزتم، وإن توليتم فعليكم الوزر والوبال.

واعلموا يقينا أنه { وعد الله } المتفضل المحسن لعباده بأنواع الفضل والعطاء { الذين آمنوا منكم } أيها الناس بتوحيد الله وصفاته، وإرسال الرسل، وإنزاله الكتب، والعبث بعد الموت، وجميع الأمور الأخروية { و } مع الإيمان والإعان { عملوا الصالحات } المقبولة عند الله، المرضية له على مقتضى ما أوحاه على رسوله وأنزله في كتابه، وأقسم سبحانه بنفسه تأكيدا لوعده { ليستخلفنهم } وليجعلنهم خلفاء { في الأرض } التي استولى عليها الكفرة { كما استخلف الذين } آمنوا { من قبلهم } يعني: بني إسرائيل استخلفهم على بلاد العمالقة والفراعنة وأرض الشام والفرس، { و } بعد استخلافهم { ليمكنن } ويقررن { لهم دينهم الذي ارتضى لهم } وهو دين الإسلام، المبني على صرافة التوحيد الذاتي المستلزم لتوحيد الصفات والأفعال.

وليشيعن ويذيعن دينهم هذا إلى جميع الأقطار والأنحاء { وليبدلنهم } ويحولن حالهم { من بعد خوفهم } الناشئ من تمويهات متخيلتهم ووساوس متوهمتهم { أمنا } نشأ من اليقين الحقي المثمر لكمال الاطمئنان والوقار، وبعدما حصل لهم مرتبة الفناء في ذاتي، حصل لهم البقاء ببقائي، فحينئذ { يعبدونني } مخلصين حيث { لا يشركون بي شيئا } من مظاهري ومصنوعاتي بتسويلات شياطين الخيالات والأوهام { ومن كفر } أي: ارتد ورجع { بعد ذلك } أي: بعد نفي الخواطر والأوهام المضلة عن سواء السبيل { فأولئك } المردودون المطرودون عن ساحة عز الحضور والقبول { هم الفاسقون } [النور: 55] الخاسرون المقصورون على الخروج والخسران عن مقتضى اليقين العلمي والعيني والحقي

ألا ذلك هو الخسران المبين

[الزمر: 15].

{ و } بعدما جعلتم التوحيد الذاتي قبلة مقصدكم أيها المحمديون { أقيموا الصلاة } المثمرة المورثة لكم كمال الشوق المحبة نحو الحق دائما { وآتوا الزكاة } المطهرة لنفوسكم عن الميل إلى ما سواه { وأطيعوا الرسول } المرشد لكم إلى طريق التوحيد { لعلكم ترحمون } [النور: 56] وتفوزون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

صفحة غير معروفة