440

{ أم لم يعرفوا رسولهم } أي: بل لم يعرفوا من شدة شكيمتهم وبغضهم علو شأن رسولهم، وسمو برهاه، وكمال عقله ورشده، واعتدال أخلاقه وأطواره، وإيفاءه العهود والأمانات { فهم له منكرون } [المؤمنون: 69] للجهل والعناد.

{ أم يقولون } وينسبون { به جنة } اختلال وخبط، ومن اختلاله وخطبه ظهر منه أمثال هذه البدائع التي استحدثها من تخيلاته { بل جآءهم } رسولهم بجميع ما جاءهم ملتبسا { بالحق } الصدق المطابق للوحي الإلهي { و } لكن { أكثرهم للحق كارهون } [المؤمنون: 70] وكونهم على الباطل مائلون، وإلى مشتهيات نفوسهم آيلون.

{ ولو اتبع الحق } والوحي { أهوآءهم } الباطلة وآراءهم الفاسدة { لفسدت السموت والأرض ومن فيهن } من ذوي الشعور والإدراك، المتوجهين نحو الحق طوعا؛ من شؤم أعمالهم وسوء أفعالهم وقبح أخلاقهم وأطوارهم، لذلك ما آتيناهم وأوحيناه على رسولهم ما هو مشتهى نفوسهم ومقتضى أهوائهم { بل أتيناهم بذكرهم } وتذكيرهم، بذكر ماه هو الأصلح بحالهم والأليق بشأنهم من الأوامر والنواهي، والوعد الوعيد، والإنذار والتبشير، والعبر والأمثال، والقصص والآثار { فهم } من غاية عمههم وسكرتهم { عن ذكرهم } المصلح لحالهم، المنجي لنفوسهم من الوبال والنكال { معرضون } [المؤمنون: 71] منصرفون عنه عتوا واستكبارا.

[23.72-80]

{ أم تسألهم } أي: أيظنون ويعتقدون أنك يا أكمل الرسل تطلب لأداء الرسالة وتبليغها علهيم { خرجا } جعلا وإجراء لذلك انصرفوا عنك وعن دينك وكتابك؟! { فخراج ربك } الذي رباك بأنواع النعم الصوري والمعنوي، وأجره لك بأعظم المثوبات وأعلى الدرجات { خير } لك من جعلهم { و } إن نسبوك إلى الفقر والفاقة قل { هو } سبحانه { خير الرازقين } [المؤمنون: 72] لو فرض رازق سواه، مع أنه لا رازق إلا هو.

{ و } بالجملة: هم منحرفون في أنفسهم عن جادة التوحيد؛ بحيث لا يفيدهم هدايتكم وإرشادك { إنك } بوحي الله إياك { لتدعوهم } وتهديهم.

{ إلى صراط مستقيم } [المؤمنون: 73] سوي لا عوج له أصلا، وهو طريق التوحيد الذاتي.

{ وإن الذين لا يؤمنون } ولا يصدقون { بالآخرة } التي فيها انتقاد الأعمال والأحوال وال عرض على ذي العظمة والجلال { عن الصراط } الذي هو سبب اعتدالهم وإخلاصهم فيها { لناكبون } [المؤمنون: 74] عادلون مائلون، لذلك لم يقبلوا منكما جئت به عند ربك؛ إذ خوف الآخرة من أقوى قوائم الإيمان.

{ ولو رحمناهم } على مقتضى سعة رحمتنا وجودنا { وكشفنا } وأنزلنا { ما بهم من ضر } مفرط مزعج مثل القحط والوباء والزلزلة والعناد، وغير ذلك من الشدائد العاجلة { للجوا } وأصروا { في طغيانهم } التي هم عليها من الكفر ولا شرك والعداوة مع أهل الإيمان { يعمهون } [المؤمنون: 75] يترددون ولا يتركون.

{ و } كيف لا يعمهون وقد جربناهم مرارا، فإنا { لقد أخذناهم بالعذاب } أي: الجدب والقحط أو بالقتل يوم بدر { فما استكانوا } وما تلذذوا وتواضعا { لربهم } من كما عتوهم وعنادهم { وما يتضرعون } [المؤمنون: 76] إليه استكبارا بل هم على إصرارهم دائما كلما أخذناهم وكشفنا عنهم، أصروا وازدادوا على استكبارهم وإصرارهم، ولم يرجعوا إلينا مخصلين.

صفحة غير معروفة