434

{ وإنا } بعدما أدخلناه في الأرض { على ذهاب به } أي: بالماء بالأغوار والتصعيد والتجفيف وغير ذلك من طرق الإذهاب { لقدرون } [المؤمنون: 18] كما أنا قادرون على إنزاله وإخراجه.

{ فأنشأنا لكم به } أي: بالماء والمدخر { جنات } وحدائق { من نخيل وأعناب } هما معظم الفواكه وأصلها { لكم فيها } أي: في تلك الجنات أيضا { فواكه كثيرة } متفرعة عليهما، ملتفة بهما من أنواع الفواكه على ما هو عادة الدهاقين في غرس الحدائق والبسايتن { و } أيضا { منها تأكلون } [المؤمنون: 19] تغذيا وتقوتا، إذ تزرعون في جناتكم من الحبوبات أيضا.

{ و } لاسيما أنشأنا لكم بالماء { شجرة } مباركة { تخرج } وتنشأ { من طور سينآء } هو جبل رفيع بين مصر وأيلة { تنبت } ثمرة ملتبسة { بالدهن } المضيء للسرج { و } مع ذلك { صبغ } أي: إدام { للآكلين } [المؤمنون: 20] لأنهم يغمسون أخبازهم فيه تأدما.

[23.21-27]

{ وإن لكم } أيها المتأملون في نعمنا، المعتبرون في أنعامنا { في الأنعام } والدواب التي ينعمون بها من عندنا { لعبرة } عظيمة إلى كمال قدرتنا وجلالة نعمتنا لو تعتبرون منها إذ { نسقيكم مما في بطونها } من الأخلاط والنبات لبنا خالصا سائغا للشاربين، مع أنه لا مناسبة بينهما { ولكم } أيضا { فيها } أي: في الأنعام { منافع كثيرة } من ظهورها وأصوافها وأشعارها وأوبارها وغير ذلك { و } أيضا { منها تأكلون } [المؤمنون: 21] من لحومها تقوية لمزاجكم وتقويما له.

{ و } بالجلمة { عليها } أي: على الأنعام في البر { وعلى الفلك } في البحر { تحملون } [المؤمنون: 22].

وبعدما عدد سبحانه نعمه التي أنعم بها على بني آدم، شرع في توبيخ من يكفر بها ولم يؤد حق شكرها فقال: { ولقد أرسلنا } من مقام لطفنا وجودنا { نوحا إلى قومه } حين انحرفوا عن جادة الاعتدال وانصرفوا عن الاستقامة { فقال } على مقتضى وحينا أياه مناديا إياه ليقلبوا إليه على مقتضى شفقة النبوة والرسالة وعطف الهدايا والإرشاد: { يقوم } أضافهم إلى نفسه إمحاضا للنصح وإظهارا لكمال الإشفاف { اعبدوا الله } الواحد الأحد الصمد الذي

لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد

[الإخلاص: 3-4] واعلموا أنه { ما لكم من إله } يعبد بالحق ويستحق بالعبادة { غيره أ } تتخذون إلها سواه { فلا تتقون } [المؤمنون: 23] وتحذرون عن بطشه وانتقامه بأنواع العذاب والنكال.

وبعدما ظهر بدعوى الرسالة وأظهر الدعوة على الوجه المذكور: { فقال الملأ } أي: الأشراف { الذين كفروا من قومه } باتخاذ الأوثان والأصنام آلهة عبدوها كعبادة الله لضعفاء العوام ترويجا لكفرهم وتحقيرا لدعوته { ما هذا } الرجل الحقير المدعي للرسالة والنبوة من الله { إلا بشر مثلكم } بل أضعفكم حالا وأدناكم عقلا ومالا { يريد } مع حقارته ودناءته { أن يتفضل } ويتفوق { عليكم } بهذه الدعوة الكاذبة والافتراء الباطل { ولو شآء الله } إرسال رسول { لأنزل ملائكة } إذ هم أولى وأليق بالإرسال من عنده، ولهم مناسبة مع الله بخلاف من البشر، فإنهم لا مناسبة لهم معه سبحانه، مع أنا { ما سمعنا بهذا } أي: برسالة البشر من الله { في آبآئنا الأولين } [المؤمنون: 24] أي: لم يعهد هذا في الزمان السابق أصلا.

صفحة غير معروفة