430

وإن ألجأتموني إلى الخصومة ف { الله } المطلع لضمائر كلا الفريقين { يحكم بينكم } وبيني { يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون } [الحج: 69] معي من شعائر ديني وعلامة هدايتي ويقيني.

{ أ } تنكر أيها المنكر إحاطة علم الله بجميع المعلومات { لم تعلم أن الله } المتجلي لجميع ما ظهر وبطن { يعلم } بعلمه الحضوري { ما في السمآء والأرض } من الأمور الكائنة والفاسدة فيها، لا يعزب عن علمه شيء، وكيف لا يعلمها سبحانه { إن } جميع { ذلك } مثبت مسطور { في كتاب } هولوح قضائه وحضرة علمه، ولا تستبعد أمثال هذا عن جنابه { إن ذلك } الاطلاع على الوجه المذكور { على الله } المتصف بجميع أوصاف الكمال { يسير } [الحج: 70].

[22.71-74]

{ و } هو بسبب إنكارهم إحاطة علم الله { يعبدون من دون الله } المستحق للعبادة بالاستحقاق { ما لم ينزل به سلطانا } أي: أصناما وأوثانا، لم ينزل سبحانه على استحقاقهم العبادة برهانا من عند الله ليكون لهم حجة دالة على مدعاهم { و } أيضا يعبدون { ما ليس لهم به علم } أي: دليل عقلي دال على لياقتها واستحقاقها للعبادة والانقياد، بل يعبدونها ظلما وزورا بلا مستند عقلي ونقلي { وما للظالمين } المتجاوزين عن مقتضى العقل والنقل { من نصير } [الحج: 71] ينصرهم ويستدفع عنه عذاب الله، أو يستشفع لهم عنده سبحانه بتخفيفه عنهم.

{ و } من غاية ظلمهم وخروجهم عن حدود العقل والنقل { إذا تتلى عليهم آياتنا } الدالة على توحيد ذاتنا وكمال أسمائنا وصفاتنا مع كونها { بينات } واضحات الدلالات { تعرف } وتبصر أيها الرائي { في وجوه الذين كفروا } بها { المنكر } أي: علامات الإنكار، وأمارات العتو والاستكبار، بحيث ترونهم من شدة شكيمتهم وغيظهم المفرط { يكادون } ويقربون { يسطون } يبطشون ويأخذون { بالذين يتلون عليهم آيتنا } هم: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه غيظا عليهم، وعلى ما جرى على ألسنتهم { قل } يا أكمل الرسل على سبيل التوبيخ والتقريع { أ } تنقبضون وتضجرون عن استماع هذه الآيات العظام وتتشاءمون من سماعها { فأنبئكم } وأخبركم { بشر من ذلكم } الآيات، هي أشد عيظا وأكثر تضجرا منها ألا وهي { النار } التي { وعدها الله الذين كفروا } بسبب كفرهم وضلالهم { وبئس المصير } [الحج: 72] النار لأصحاب الضلال والإنكار.

{ يأيها الناس } الذين جبلوا على الغفلة والنيسان والجهل والطغيان عن عظمة الله وحق قدره، لذلك أثبتم له أمثالا وأشباها مع تعاليه وتنزهه في ذاته عنها، اسمعوا: { ضرب مثل } في حق شركائكم ومعبوداتكم { فاستمعوا له } سمع وتدبير وتأمل، ثم أنصفوا { إن الذين تدعون } وتعبدون أيها المدعون المكابرون { من دون الله } القادر بجميع المقدورات بالعلم التام، والإدارة الكاملة، والحكمة المتقنة { لن يخلقوا ذبابا } بل لن يقدروا على خلق أحقر منها وأخس، لا كل واحد منهم فرادى، بل { ولو اجتمعوا له } أي: لخلق الذباب وتظاهروا لإيجاده مجتمعين لن يقدروا أيضا، وكيف خلق الذباب وإظهاره؟ { وإن يسلبهم } ويأخذ منهم { الذباب } الحقير الضعيف { شيئا } من الآلهة الباطلة من حيلهم وتزييناتهم { لا يستنقذوه منه } ولا يقدروا على أن يخرجوه من يده لعجزهم وعدم قدرتهم، فكيف تعبدون أيها الحمقى العابدون أولئك الهلكى العاجزين الساقطين؟! فظهر للمتأمل المتدبر أنه { ضعف } أي: انحط وسقط عن زمرة العقلاء ورتبتهم { الطالب } العابد الجاهل { والمطلوب } [الحج: 73] المعبود المجهول المنحط عن رتبة أحقر الأشياء وأخسها فكيف عن أعلاها؟! فيكف عن خالقها وموجودها؟! تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

كل ذلك بواسطة أنهم { ما قدروا الله } القادر المقتدر على جميع المقدورات والمرادات وما علموه { حق قدره } كما هو اللائق بشأنه، وما عرفوه حتى معرفته، لذلك ما صفوه حق وصفه، ونسبوه إليه سبحانه مالا يليق بجانبه جهلا وعنادا، وأثبتوا له شركاء عاجزين من أضعف الأشياء { إن الله } المتردي برداء العظمة والكبرياء { لقوي } في ذاته لا حول ولا قوة إلا به { عزيز } [الحج: 74] غالب في أمره وحكمه، متصرف مستقل في ملكه وملكوته، يفعل بالإدارة والاختيار، ويحكم ما يريد، لا راد لفعله، ولا معقب لحكمه.

[22.75-78]

ومن علو شأنه، وسمو برهانه، وكمال قوته، وعزته يتوسل إليه، ويتوصل نحوه بوسائل ووسائط اختارها الله واجتباها من بين بريته لإهداء التائهين في بيدان ألوهيته إلى زلال توحيده على مقتضى سنته، وجري حكمته، كما بين في كتابه حيث قال: { الله } العلي المتعال ذاته عن أن يكون شرعة كل وارد، أو يطلع على سرائر أسمائه وصفاته واحد بعد واحد، بل { يصطفي } ويختار { من الملائكة } المقربين عنده { رسلا } يرسلهم إلى خواص البشر، وخلص العباد { و } أيضا يصطفي ويختار { من } خيار { الناس } رسلا يرسلهم إلى عموم عباده بالنبوة والرسالة ليرشدوهم إلى توحيده سبحانه ويهدوهم إلى سواء طريقه { إن الله } المطلع لاستعدادات عباده { سميع } يسمع أقوالهم ومناجاتهم ويقضي حاجاتهم { بصير } [الحج: 75] يبصر أعمالهم وأفعالهم ويجازيهم عليها، لأنه: { يعلم } سبحانه بعلمه الحضوري { ما بين أيديهم } حالا { وما خلفهم } ماضيا واستقبالا { و } بالجملة { إلى الله } الذي بدأ منه ما بدأ { ترجع الأمور } الحج: 76] الكئنة أزلا وأبدا، ظاهرا وباطنا، حالا ومآلا، دنيا وآخره.

{ يأيها الذين آمنوا } بتوحيد الله ورجوع الكل إليه أولا وبالذات { اركعوا } نحوه خاضعين منكسرين { واسجدوا } له متذللين متواضعين { واعبدوا } بجميع أركانكم وجوارحكم { ربكم } الذي رباكم بأنواع النعم كي تعرفوا ذاته حسب استعداداتكم، وتشكروا نعمه وحقوق كرمه مقدار وسعكم، وتعبدوه حق عبادته قدر طاقتكم { و } بالجملة: { وافعلوا الخير } على وجه أمرتم به طلبا لمرضاته، واحذروا الشر خوفا من سخطه وحلول غضبه { لعلكم تفلحون } [الحج: 77] وتفوزون بما وعدتم من الجنة المأوى وشرف اللقيا فيها.

صفحة غير معروفة