418

{ و } كما كان هذا الكتاب هدايا لجميع البرايا إلى أعلى معارج التوحيد لذلك { مآ أرسلناك } يا أكمل الرسل المستخلف منا، المتخلق بأخلاقنا، المظهر لتوحيدنا الذاتي { إلا رحمة } أي: ذا رحمة شاملة وعطف عام { للعالمين } [الأنبياء: 107] إذ بعثة بعدك، ولا دين بعد دينك، بل أنت مكمل دائرة النبوة والرسالة، ودينك ناسخ جميع الأديان، فلا بد لجميع أهل الملل والنحل أن يتدينوا بدينك كي يصلوا إلى ما جبهلم الحق لأجله، وهو التوحيد والعرفان.

وبعدما صرت خاتم النبوة والرسالة وصار دينك ناسخا لجميع الأديان { قل } لقاطبة الأنام على سبيل الدعوة العامة والتبليغ التام: { إنمآ يوحى إلي } من ربي ما جعلني مبعوثا إلى عموم عباده { أنمآ إلهكم } أيها الواصلون إلى مرتبة التكليف { إله واحد } أحد صمد لا يقبل التعدد، ولا يعرضه نقصان، ولا يشغله شأن عن شأن، بل

كل يوم هو في شأن

[الرحمن: 29] { فهل أنتم } أيها العابدون { مسلمون } [الأنبياء: 108] منقادون له، مسلمون توحيده، مخلصون في إطاعته وانقياده.

{ فإن تولوا } وأعرضوا عن التوحيد بعد تبليغك إياهم قصارى أمرهم في دينهم { فقل } لهم يا أكمل الرسل: { ءاذنتكم } وأعلمتكم بإذن الله وأهديكم بمقتضى وحيه { على سوآء } أي: على طريق سوي، وصراط مستقيم موصل إلى توحيد الحق ومعرفته، وإن انحرفتم عن جادة التوحيد وانصرفتم عن مسالكه، استوجبتم المقت والعذاب ألبتة { وإن أدري } أي: ما أدري وأعلم { أقريب أم بعيد } نزول { ما توعدون } [الأنبياء: 109] من العذاب والنكال.

وبعدما تحقق نزوله وتقرر وقوعه بإخبار الله من لا تغتروا بإمهاله إياكم عن غفلته عنكم تعالى عن ذلك، كيف يعرض له سبحانه الغفلة والذهول؟ { إنه } بعلمه الحضوري { يعلم الجهر } منكم { من القول ويعلم } أيضا منكم { ما تكتمون } [الأنبياء: 110] وتخفون في نفوسكم من خواطركم.

{ وإن أدري } أي: وما أعلم أيضا { لعله } أي: لعل إمهاله إياكم وتأخيره العذاب عنكم { فتنة } واختبار { لكم } هل تتفطنون إلى توحيده أو لا؟ بعد ورود أنواع المنبهات عليه، والروادع، والزواجر البليغة عما ينافيه ويخالفه { و } ما أدري أيضا لعل إمهاله لكم { متاع } وتمتيع لكم { إلى حين } [الأنبياء: 111] لتزدادوا فيه إثما ومعصية كثيرة تستجلبوا بها أعظم العقوبات وتستحقوا أشد العذاب.

ثم لما تمادى النزاع بين أهل مكة ورسوله الله صلى الله عليه وسلم وتكثرت الوقائع والحادثات، أمر سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم بالاستعانة منه سبحانه والتفويض إليه بقوله: { قال } يا أكمل الرسل بعدما أصروا على إنكارك ملتجئا إلينا مناجيا: { رب } يا من رباني بكرامة الرسالة والتبليغ والإرشاد والتشريع { احكم بالحق } الصريح الصحيح عنك بيني وبين هؤلاء المعاندين، وأنت تعلم أنهم لا ينزجرون لا بنزول العذاب الموعود عليهم، أنزل بمقتضى قهرك عليهم ما ينزجرون به من العذاب { وربنا } وإن كان هو { الرحمن } الذي وسعت رحمته كل شيء حتى الكافر الشقي النافي له، لكنه { المستعان } والمعين المنان والناصر الديا لأهل المعرفة والإيمان { على } إزالة { ما تصفون } [الأنبياء: 112] الله به مما لا يليق بشأنه وجنابه.

وبالجملة أولئك المشركون هم الهالكون في تيه الجحود والطغيان، المنهمكون في بحر الغفلة والضلال والكفران.

خاتمة السورة

صفحة غير معروفة