386

ثم قال سبحانه امتنانا على حبيبه، وإشارة إلى عظم رتبة القرآن الجامع لجميع المعارف والأحكام، بعدما بين في هذه السورة من معظمات مهما الدين من العبر والتذكيرات والأخلاق والآداب: { فإنما يسرناه } أي: القرآن { بلسانك } وسهلناه وأنزلناه على لغتك { لتبشر به المتقين } الذين يحفظون نفوسهم عن مخالفة ما أمروا به ونهوا عنه ببشارة عظيمة عناية من الله إياهم وفضلا، وهي تحققهم بمقامم الرضا والفوز بشرف اللقاء { وتنذر به } أي: بوعيداته وأنواع العذاب المذكورة فيه { قوما لدا } [مريم: 97] لدودا لجوجا، مفرطين في اللدد والعناد، مصرين على ما هم عليه من الفسق والفساد.

{ و } لا تبال يا أكمل الرسل بتماديهم في لددهم وعنادهم، ولا تحزن من عتوهم وفسادهم؛ إذ { كم أهلكنا قبلهم من قرن } أي: أهلكنا كثيرا من أقوام مضوا، كانوا متمادين أمثلهم في الغي والضلال، مصرين على المراء والجدال.

تأمل والتفت يا أكمل الرسل وتشعر { هل تحس } أي: وتشعر { منهم } من المهلكين { من أحد } نجا، وبقي سالما من قبضة وسطوة قهرنا وغضبنا { أو تسمع لهم ركزا } [مريم: 98] صوتا خفيا يسمع من قبورهم ومدافنهم، بل صاروا كأن لم يكونوا أصلا، وما ذلك وأمثاله علينا بعزيز.

رب اختم عواقب أمورنا بالخير والحسنى.

خاتمة السورة

عليك أيها السالك المتدبر المتأمل في الأسماء الحسنى الإلهية، والمستكشف عن رموز صفاته الثبوتية والسببية والجمالية والجلالية، واللطفية والقهرية، وجميع الأوصاف المتقابلة والمتماثلة الإلهية، أن تتعمق وتتأمل في معنى اسم الرحمن الذي كرره سبحانه في هذه السورة مرارا كثيرة، وتدبر فيه كي تصل وتستكشف إلى أن مبدأ جميع ما ظهر وبطن، وكان ويكون، وإنما هو هذا الاسم المشير إلى سعة رحمة الحق، ووفور جوده وفضله على مظاهره ومصنوعاته؛ إذ به استوى سبحانه على عروش جميع الكوائن والفواسد، وبه ظهر ما ظهر من كتم العدم.

وبالجملة: ما من موجود محقق محسوس أو مقدر مخطور، إلا وهو في حيطة هذا الاسم وتحت تربيته وتصرفه، بحيث لو انقطع إمداده عن العالم طرفة لم يبق للعالم ظهور ووجود أصلا.

ومتى تحققت بهذا الاسم العظيم، ويقنت شموله وإحاطته لجميع المظاهر شمول عطف ولطف، فزت بحقيقة قوله سبحانه: { إن كل من في السموت والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } [مريم: 93].

جعلنا ممن تحقق بمعاني أسمائه الحسنى، واستكشف عن سرائر صفاته الأسنى، بفضله وطوله، وسعة رحمته وجوده.

[20 - سورة طه]

صفحة غير معروفة