382

وكيف يتصور نسيانه؛ إذ هو { رب السموت والأرض وما بينهما } لا يعزب ويغيب عن علمه شيء منها لمحة، وإذ تحققت ما تلنا عليك يا أكمل الرسل وتأملت في معناه حق التأمل والتدبر { فاعبده } راجيا منه العناية على العبادة وجزاء الخير { واصطبر لعبادته } وتحمل لمتاعبها، واثبت عليها، ولا تستعجل بوحي ما قصدت وأحببت نزوله، ولا تقنط أيضا؛ إذ الكل بيده مرهون بوقت، ولا تضطرب من استهزاء الكفرة وسخريتهم، وكيف اضطربت { هل تعلم } وتسمع { له سميا } [مريم: 65] مثلا مسمى بالأله المستحق للتوجه والعبودية لإنجاح المطلوب سواه حتى ترجع إليه، فلك العبادة والاصطبار وترك الاضطراب والاستعجال، وتفويض جميع الأمور إلى الكبير المتعال.

{ و } من غاية الجهل ونهاية الغفل عن ربوبيته { يقول الإنسان } المجبول على النسيان والكفران بنعم الله وإنكار قدرته على إعادت المعدوم: { أءذا ما مت } وصرت عظاما ورفاتا { لسوف أخرج } من الأرض { حيا } [مريم: 66] سويا معادا؟! كلا وحاشا هذا محال باطل، وضلال ظاهر.

{ أ } ينكر المنكر املطر على قدرتنا، ويصر على الإنكار { ولا يذكر الإنسن } المكابر المعاند { أنا خلقناه } وأبدعناه { من قبل و } الحال أنه { لم يك شيئا } [مريم: 67] أي: مما يطلق عليه الشيء، ولا مسبوق بشيء، فقدرنا على إيجاده وإظهاره من العدم الصرف، ولم لم نقدر على إعادته بعد سبق أجزائه، والإعادة والإبداء وإن كانا عندنا على السواء، إلا أن الإعادة بالنسبة إلى فهمهم أسهل وأيسر من الإبداء والإبداع لا عن شيء.

{ فوربك } الذي هو أعظم الأسماء الإلهية وأشملها وبعزته وجلاله { لنحشرنهم } أولئك الضالين { والشياطين } المضلين لهم معهم، منخرطين في سلسلتهم { ثم لنحضرنهم } مقيدين مغلولين { حول جهنم جثيا } [مريم: 68] باركين على الركب، قائمين على أطراف الأصابع بلا تمكن لهم واطمئنان مثل الجاني الخائف عند الحاكم القاهر القادر على أنواع الانتقام.

{ ثم } بعد حشرهم وإحضارهم على النار { لننزعن } أي: ننتخبن ونخرجن { من كل شيعة } أي: فرقة شاعت منهم موجبات العذاب والنكال { أيهم أشد على الرحمن } المفيض لهم أنواع الخيرات والبركات { عتيا } [مريم: 69] جراءة على العصيان له وعلى ترك أوامره وارتكاب نواهيه، ليطرح أولا على مقر النار، ثم الأمثل فالأمثل إلى انطراح الكل فيها على تفاوت طبقاتهم ودرجاتهم في موجباتها قوة وضعفا.

{ ثم } بعد انتزاعها وانتخابنا { لنحن أعلم بالذين هم أولى } وأحق { بها } أي: بدخول النار { صليا } [مريم: 70] أي: دخولا أوليا سابقا على اكل، وهم الرؤساء الضالون المضلون؛ إذ يضاعف عذابهم لضلالهم وإضلالهم.

ثم قال سبحانه مخاطبا لبني آدم بأجمعهم: لا تغتروا بدنياكم ولذاتها وشهواتها، { و } اعلموا { إن منكم } أي: ما منكم أيها المتلذذون بزخرفة الدنيا { إلا واردها } أي: وراد النار وواقعها، ذاق كل منكم من عذابها مقدار ما يتلذذ من الدنيا.

أما المؤمنون المطيعون المتقون الذين يقنعون في الدنيا بسد جوعة ولبس خشن وكن ضروري، فيمرون عليها وهي خادمة عبرة لهم منها وشكرا لنعمه النجاة عنها.

وأما المؤمنون العاصون التائبون، فيذوقون من عذابها مقدار تلذذهم بالمعاصي، ثم يخرجون على مقتضى عدله سبحانه.

وأما أصحاب الكبائر من المؤمنين الخارجين من الدنيا عليها بلا توبة، وعموم الكفرة والمشركين، فه الواردون المقصرون على الورود فيها إلا أن المؤمنين تلحقهم الشفاعة.

صفحة غير معروفة