282

وبعدما سمعوا منه كلاما موحشا، وتفرسوا أنهم لو لم يأتوا بأخيهم لما اكتال لهم العزيز ولم ينزلهم، فكيف أن يحسن معهم ويضيفهم؟ { قالوا } له معتذرين: إن له أبا شيخا كبيرا، محزونا، آسفا يتسلى به { سنراود } ونجتهد مقدار طاقتنا { عنه أباه } ونخدع به بأنواع الخدع حتى نأتي { وإنا لفاعلون } [يوسف: 61] ألبتة وجوها من الخداع لإتيانه.

{ و } بعدما هيأا للسفر وأرادوا أن يرحلوا { قال } يوسف { لفتيانه } أي: خدامه وأعوانه: { اجعلوا بضاعتهم في رحالهم } التي أتوا بها وهي الأدم والنعال في رحالهم على وجه لا يشعرونها { لعلهم يعرفونهآ } وقت { إذا انقلبوا } ورجعوا { إلى أهلهم } وبعد رؤيتهم البضاعة آيسوا { لعلهم } بعد ذلك { يرجعون } [يوسف: 62] بأخيهم لو رجعوا.

[12.63-66]

{ فلما رجعوا } من مصر { إلى أبيهم } حكوا ما جرى بينهم وبين العزيز من الحكايات التي مضت، ثم طلبه منهم ما يصدقهم ويشهد لهم واضطرارهم من الشاهد وأمرهم العزيز بإحضار أخيهم بنيامين؛ ليكون مصدقا لهم، ثم بعدما بسطوا الكلام عند أبيهم { قالوا يأبانا منع منا الكيل } بعد اليوم لو لم ترسل معنا بنيامين { فأرسل معنآ أخانا } ليكون مصدقا لنا عند العزيز وبعد تصديقه إيانا { نكتل } لجميعنا { و } لم لم ترسله معنا { إنا له لحافظون } [يوسف: 63] من طريق المكروه عليه؛ إذ نحن عصبة ذوو قدرة وقوة؟!.

{ قال } لهم أبوهم متأسفا متحزنا: { هل آمنكم عليه } وأجعلكم وقاية له { إلا كمآ أمنتكم على أخيه } يوسف { من قبل فالله } الرقيب على عباده في جميع حالاتهم { خير } لهم { حافظا } أي: من جهة الحضانة والحفظ { وهو } في ذته { أرحم الراحمين } [يوسف: 64] إذ رحم الكل يرجع إليه؛ لأن الرحيم بالذات، ورحم غيره إنما يتشعب من رحمه.

وبعدما ألحوا مع أبيهم واقترحوا له بإرسال أخيهم بنيامين، وتفرسوا منه أنه لم رض بإرساله، خرجوا من عنده محزونين { ولما فتحوا متاعهم } التي جاءوا بها { وجدوا بضاعتهم } التي اشتروا بها الكيل { ردت إليهم } ندموا وتحزنوا، ثم رجعوا إلى أبيهم شاكين مشتكين { قالوا يأبانا } إنا نجزم بمنع الكيل لو نكرر { ما نبغي } أي: شيء نفعل وندبر { هذه بضاعتنا ردت إلينا } على وجه لا نطلع عليها إلا الآن، فجزمنا ألا كيل لنا إن عدنا إليه مرة أخرى بلا إتيان أخينا، ونكون عند العزيز من الكاذبين الصاغرين ونسأل منك يا أبانا من كمال كرمك وجاهك أن ترسل معنا أخانا؛ ليصدقنا عند العزيز { و } بعد تصديقه أبانا { نمير } ونحمل العطايا من عنده { أهلنا } أي: لأجلهم { ونحفظ } في الذهاب والإياب { أخانا ونزداد } بسببه { كيل بعير } أي: حمله؛ إذ من سنة العزيز أن يحمل لكل منا بعيرا! { ذلك } الكيل الذي جئنا به { كيل يسير } [يوسف: 65] قليل لا يفي لمعاشنا إلى قت الخصب ما لم نزد.؟

ثم لما بالغوا في سؤالهم واقترحوا الإسعاف ماطلبوا { قال } لهم أبوهم معاتبا عليهم: { لن أرسله } أي: بنيامين { معكم حتى تؤتون موثقا من الله } أي: يمينا وسما أثق به وأعتمد عليه { لتأتنني به } ألبتة لا خلف { إلا أن يحاط بكم } نوع من البلاؤ من إلمام العدو وغيره { فلمآ } اضطروا إلى ما طلبه أبوهم منهم { آتوه موثقهم } فرضي بإرسال بنيامين معهم ضرورة ثم { قال } أبوهم تأكيدا وتغليظا وتفويضا لأمره إلى ربه: { الله } المطلع لجميع حالات عباده { على ما نقول } ويجري بيننا { وكيل } [يوسف: 66] أي: رقيب حفيظ، بفعل بنا على مقتضى علمه وخبرته.

ثم لما رضي يعقوب عليه السلام بإرسال ابنه بنيامين، فشدوا وخرجوا من عنده، وصى لبنيه أن يتفرقوا عند الدخول إلى مصر، ولا تدخلوا كوكبة واحدة؛ خوفا منهم أن يعانوا؛ إذ هم ذوو جمال وبهاء، كان الناس يتعجبون منهم حين انصرفوا مجتمعين.

[12.67-69]

{ وقال يبني لا تدخلوا } على البلدة { من باب واحد } مجتمعين { وادخلوا من أبواب متفرقة } فرادى، حتى لا تتضرروا من العيون اللامة { و } اعلموا أني { مآ أغني } وأدفع بقولي لكم هذا { عنكم من } قضاء { الله من شيء إن الحكم } أي: ما الحكم والأمر { إلا لله عليه } لا على غيره من الأظلال { توكلت وعليه } في كل الامور { فليتوكل المتوكلون } [يوسف: 67] إذ لا رجوع للكل إلا إليه.

صفحة غير معروفة