186

[7.87-89]

{ وإن كان طآئفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به } من العدالة الصورية والمعنوية { وطآئفة لم يؤمنوا } عنادا واستكبارا { فاصبروا } وانتظروا { حتى يحكم الله } يمقتضى عدله { بيننا } أي: بين الفريقين بالنصر على من آمن والقهر على من كفر واستكبر { وهو } سبحانه في ذاته { خير الحاكمين } [الأعراف: 87] يحكم بمقتضى حكمته المتقنة المتفرعة على العدالة الحقيقية.

وبعدما سمعوا منه ما سمعوا { قال الملأ الذين استكبروا من قومه } على وجه المبالغة والتأكيد وعدم المبالاة: { لنخرجنك } البتة { يشعيب والذين آمنوا معك } وصدقوا قولك { من قريتنآ } كرها وإجلا { أو لتعودن } أنت ومن معك { في ملتنا } التي كنتم عليها من قبل { قال } عليه لسلام مستبعدا مستنكرا: { أولو كنا } في الأيام السالفة أيضا { كارهين } [الأعراف: 88] منكرين ملتكم التي أنتم عليها، فتعيدوننا إليها، وكيف نعود؟!

{ قد افترينا } البتة { على الله كذبا إن عدنا } وصرنا { في ملتكم } سيما { بعد إذ نجانا الله } المنجي لعباده عن ظلمة الكفر { منها } وألهمنا بطلان ما أنتم عليه { و } بالجملة: { ما يكون } يجوز ويصح { لنآ أن نعود } ونرجع { فيهآ إلا أن يشآء الله } عودنا ومصيرنا إليه؛ إذ هو { ربنا } يربينا بلطفه بما هو خير لنا، وإن كان فيها خيرا بعيدنا إليها؛ إذ { وسع ربنا كل شيء علما } تحققا وحضورا لذلك { على الله } لا على غيره من الأسباب { توكلنا } في جميع ما جرى علينا، واتخذناه، وكيلا لجميع أمورنا { ربنا } يا من ربانا بأنواع اللطف والكرم { افتح } واقض على ما جرى عليه حكمك وقضاؤك { بيننا وبين قومنا بالحق } المطابق للواقع والموافق لما ثبت في لوح القضاء { وأنت خير الفاتحين } [الأعراف: 89] الحاكمين بين ذوي الخصومات.

[7.90-93]

ومن حسن محاورة شعيب عليه السلام مع أمته ومجاملته معه لقب بالخطيب بين الأنبياء.

{ و } بعدما سمعوا منه ما سمعوا { قال الملأ الذين كفروا من قومه } لمتابعيهم ترهيبا وتهديدا على وجه المبالغة والتأكيد: والله { لئن اتبعتم شعيبا } عليه السلام وآمنتم له وسمعتم قوله في ترك البخس والتطفيف { إنكم إذا لخاسرون } [الأعراف: 90] في بضاعتكم ومعاملتكم، ثم لما بالغوا في الضلال والإضلال استحقوا الانتقام والنكال.

{ فأخذتهم الرجفة } والزلزلة الشديدة فخر عليهم سقوف بيوتهمه { فأصبحوا في دارهم } التي يستقرون فيها { جاثمين } [الأعراف: 91] جامدين ميتين.

وبالجملة: { الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها } أي: استؤصلوا وانقرضوا إلى حيث صاروا كأن لم يسكنوا ولم يكونوا في تلك الديار أصلا، بل الحق إن { الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين } [الأعراف: 92] المقصورين على الخسران في النشأة الأولى والأخرى.

{ فتولى عنهم } شعيب عليه السلام بعدما شاهد حالتهم واستحقاقهم للعذاب { وقال } متأسفا متحزنا على مقتضى شفقته، مضيفا لهم إلى نفسه: { يقوم } المنهمكين في الغفلة المبالغين في الإصرار والاستكبار { لقد أبلغتكم رسلت ربي } حتى لا يلحق بكم ما لحق { ونصحت لكم } بإذنه سبحانه وبالغت في نصحي، فلم تقبلوا مني نصحي ولم تصدقوا قولي، ثم كذب هواجس نفسه وأنكر عليها؛ خوفا من غضب الله، فقال: { فكيف ءاسى } أتحزن { على قوم } كانوا { كفرين } [الأعراف: 93] لنعم الحق مكذبين لأوامره مستحقين لما نزل عليها بسوء معاملتهم مع الله بعد ورود ما ورد من الوعد والوعيد؟.

صفحة غير معروفة