185

فقال صالح عليه السلام: تصبح وجوهكم غدا مصفرة وبعد غد محمرة، واليوم الثالث مسودة، ثم يصحبكم العذاب، فلما رأوا العلامات هموا أن يقتلوه، فأنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين، ولما كانت ضحوة اليوم الرابع وتكفنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحة من السماء فتقعطت قلوبهم، فهلكوا { فتولى } وأعرض صالح عليه السلام { عنهم } بعدما ظهر عليهم أمارات عذاب الله وعلامات الانتقام { وقال } متحسرا متأسفا حين تجانب عنهم: { يقوم } المبالغين في الإعراض عن الحق { لقد أبلغتكم رسالة ربي } وبذلت جهدي في إهدائكم { ونصحت لكم } إشفاقا عليكم حتى لا يلحقكم العذاب الموعود { ولكن } أنتم قوم مستكبرون في أنفسكم، مصرون معاندون { لا تحبون النصحين } [الأعراف: 79] فلحقكم ما أخاف عليكم بالإعراض عما أمرتم به.

[7.80-84]

{ و } أرسلنا { لوطا } اذكروا { إذ قال لقومه } المبالغين في ارتكاب الفعلة القبيحة والديدنة الشنيعة على وجه التوبيخ والتقريع: { أتأتون } وترتكبون { الفاحشة } المتناهية في القباحة والفضاحة مع أنها { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } [الأعراف: 80] بل أنتم اخترعتموها من خباثة نفوسكم ورداءة طباعكم.

{ إنكم } أيها المتجاوزون عن حدود الله ومقتضى حكمته { لتأتون الرجال شهوة } أي: حال كونكم متلذذين مشتهين لإتيانهم { من دون النسآء } مع أن الحكمة تقتضي إتيانهن، وما هو من جهلكم بقبحها وخباثتها { بل أنتم قوم مسرفون } [الأعراف: 81] في الفساد والخروج عن مقتضى الحكمة الإلهية بمتابعة أهويتكم الباطلة.

{ وما كان جواب قومه } حين سمعوا منه ما سمعوا { إلا أن قالوا } مستكبرين مستنكرين منهمكين: { أخرجوهم من قريتكم } أي: لوطا ومن آمن له { إنهم أناس يتطهرون } [الأعراف: 82] يدعون التطهر عن الخبائث ويجتنبون عن الفواحش، فلا يناسبهم الإقامة فينا.

ثم لما لم يمتنعوا بقوله، بل زادوا الإصرار والعداوة، أخذناهم بظلمهم وإسرافهم { فأنجيناه وأهله } أي: من آمن له مما أصابهم { إلا امرأته } لأنها تسر الكفر؛ لذلك { كانت من الغابرين } [الأعراف: 83] الهالكين بقهر الله.

{ و } بعدما أخذناهم { أمطرنا عليهم مطرا } أي: مطرا وحجارة من سجيل فاستأصلناهم به { فانظر } أيها المعتبر الرائي { كيف كان عاقبة المجرمين } [الأعراف: 84] المصرين على الجرائم العظائم مع إرسال الرسل الهادين لهم إلى طريق الجناة، الزاجرين عما هم عليه من القبائح على أبلغ وجه وآكده.

[7.85-86]

{ و } أيضا أرسلنا { إلى } قوم { مدين } وهم قرية شعيب عليه السلام { أخاهم } وابن عمهم { شعيبا } عليه السلام حين أفرطوا في التطفيف والتخسير { قال } لهم مناديا على وجه الشفقة والنصيحة: { ياقوم اعبدوا الله } المتوحد المستقل في الألوهية، واعلموا أنه { ما لكم من إله } يعبد بالحق { غيره } وأنه { قد جآءتكم بينة } عظيمة { من ربكم } الذي رباكم بأنواع اللطف والكرم دالة على القسط العدالة في المعاملات الصورية؛ ليفوزوا بها إلى الاعتدال المعنوي والقسط الإلهي { فأوفوا الكيل } أي: وفوا حقه { و } أقيموا { الميزان و } بالجملة: { لا تبخسوا الناس أشياءهم } أي: لا تنقصوا من حقوقهم شيئا { و } عليكم أن { لا تفسدوا } مطلقا { في الأرض } التي وضعت للعدالة والصلاح سيما { بعد إصلاحها } أي: بعد إصلاحنا أمرها بإرسال الرسل وإنزال الكتب { ذلكم } أي: العدل والصلاح وامتثال الأوامر { خير لكم إن كنتم مؤمنين } [الأعراف: 85] موقنين بعدل الله وصراطه المستقيم.

وعليكم أن تتوجهوا نحو طريق الحق بالعزيمة الصحيحة { ولا تقعدوا } أي: لا تترصدوا { بكل صراط } طريق ومذهب من الطرق الباطلة حال كونكم { توعدون } وتخوفون الناس عن سلوك طريق الحق { وتصدون عن سبيل الله } ضعفاء { من آمن به } بإلقاء الشبه والرخص في قلوبهم { و } بالجلمة: { تبغونها عوجا } أي: تطلبون أن تنسبوا عوجا وانحرافا إلى سبيل الحق والطريق المستقيم؛ لينصرف الناس عنه، وعليكم ألا تميلوا عن مخالفة أمر الله ونهيه { واذكروا } نعمه عليكم { إذ كنتم قليلا } عددا وعددا { فكثركم } قؤاكم وأظهركم، واشكروا نعمه عليكم؛ ليدوم وزيد ولا تكفروها { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } [الأعراف: 86] المكفرين لنعم الحق من الأمم الهالكة واعتبروا من حالهم ومآلهم.

صفحة غير معروفة