[5.4-5]
{ يسألونك ماذآ } أي: أي شيء من الأشياء المألوفة المتعارفة { أحل لهم قل أحل لكم } في دينكم { الطيبات } التي مضى ذكرها في أول السورة من البهائم المذكاة { و } كذا أحل لكم صيد { ما علمتم من الجوارح } الكواسب، لكم الصيد من أدوات القوائم والمخالب حال كونكم { مكلبين } مؤدبين، معلمين إياهن لاصطياد { تعلمونهن مما علمكم الله } من مقتضيات العقل المفاض لكم بأنواع الحيل إياهن.
وإذا علمتوهن { فكلوا ممآ أمسكن عليكم } من صيدهن حلالا طيبا { واذكروا اسم الله عليه } أي: وعليكم أن تذكروا اسم الله حين إرسال الجوارح إلى الصيد { واتقوا الله } ألا تهلوا على الصيد والذبائح، ولا تحلوها بذكر اسم الله بعدها أمركم به { إن الله } المطلع لجميع حالاتكم { سريع الحساب } [المائدة: 4] شديد العقاب لمن لم يمتثل بأوامره، ولم يجتنب عن نواهيه.
{ اليوم } أي: حين انتشر وظهر دينكم على الأديان كلها { أحل لكم الطيبت } المذكورة، المحللة فيه { و } أيضا { طعام الذين أوتوا الكتب } أي: اليهود والنصارى وذبائحهم { حل لكم } في دينكم { وطعامكم } وإطعامكم أيضا { حل لهم } لأنهم من ذوي الملل والأديان { و } كذا أحل لكم { المحصنت } الحرائر، العفائف { من المؤمنت } أي: نكاحكم إياهن { و } كذا { المحصنت من الذين أوتوا الكتب من قبلكم إذا ءاتيتموهن أجورهن } مهروهن بلا نقص وتكسير.
والحال أنكم { محصنين } محافظين على حقوق الزوج والنكاح { غير مسفحين } مجاهرين بالزنا { ولا متخذي أخدان } مستترين به { ومن يكفر } منكم، وينكر { بالإيمن } وبلوازمه، وحدوده الدالة على صحته { فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخسرين } [المائدة: 5] الذي ظل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
[5.6]
ثم لما بين سبحانه ما يتعلق بمعاش عباده من الحل والحرمة، والزواج والنكاح وحسن المعاشرة، ورعاية الآداب المشروعة فيها، أراد أن يهديهم إلى طريق الرجوع إلى المعاج الذي هو المبدأ بعينه؛ ليميلوا إليه، ويتوجهوا نحوه على نية التقرب، إلى أن وصلوا واتصلوا، فقال مناديا: { يا أيها الذين آمنوا } بوحدة ذات الحق، وتنزهه عن صمة الكثرة { إذا قمتم إلى الصلاة } أ ي: إذا أردتم أن تخرجوا من بقعة الإمكان، وتميلوا نحو فضاء الوحدة متشوقين، متقربين { فاغسلوا وجوهكم } أي: فعليكم أن تغسلوا بماء المحبة والشوق، والجذب الإلهي المحيي، المنبت لأموت الأرواح من أرض تعينات وجوهكم التي تلي الحق عن رين الإمكان، وشين الكثرة.
{ و } طهروا { أيديكم } أي: قصروها عن أدناس الأخذ والإعطاء من حطام الدنيا وأقذارها { إلى المرافق } أي: مبالغين في تطهيرها إلى أقصى الغاية { و } بعدما غسلتم الوجوه، وطهرتم الأيدي { امسحوا برؤوسكم } أي: امحوا، وحكوا أنانيتكم وهويتكم التي منها طبلكم وأدبكم { و } احوا أيضا { أرجلكم } وأقدامكم التي بها سلكوككم وطلبكم { إلى الكعبين } إلى أن ينقعط سيركم وسلوككم بالفناء فيه { وإن كنتم } أيها المائلون نحو الحق { جنبا } منغمسين في خبائث الإمكان وقاذوراتها { فاطهروا } فعليكم المبالغة في التطهير بالرياضات الشاقة من قطع التعلقات، وترك المألوفات والمشتهيات، وبالركون إلى الموت الإداري، والخروج عن الأوصاف البشرية.
{ وإن كنتم مرضى } من الأبرار الذين مرضوا بسموم الإمكان، وبحموم نيرانه وصاروا محبوسين فيه بلا قدم وإقدام { أو على سفر } من السالكين، السائرين نحو الحق بلا ممد { أو جآء أحد منكم من الغائط } أي: رجع من التلوث والتندس بغلاظ أدناس الدنيا من جاهها ومالها ورئاستها { أو لامستم النسآء } واستكرهتموهن؛ لأنهن أقوى من بحائل الشيطان وشباكها، يصرف بها أهل الإرادة عن جادة السلامة { فلم تجدوا } في هذه الصورة من لدن نفوسكم وقلوبكم { مآء } شوقا إلى الحق، مطهرا لخبائث نفسوكم، قالعا لها مطلقا، ومحبة مزيلة لدرن التعلقات، وجذبا مفرطا من جانب الحق، مزعجا ملجئا إلى الفناء.
{ فتيمموا } أي: فعليكم أن تقصدوا، وتتوجهوا { صعيدا طيبا } مرشدا كاملا ومكملا طاهرا عن جميع الرذائل والآثام العائقة عن الوصول { فامسحوا بوجوهكم } إي: هوياتكم الباطلة { وأيديكم } أي: أوصافكم الذميمة، العاطلة { منه } أي: من تراب أقدام، وثرى سدته السنية؛ لعلة يرشدكم إلى النجاة عن مضيق التعيينات نحو قضاء الذات { ما يريد الله } المدبر لأموركم { ليجعل عليكم } ويبقى فيكم { ولكن يريد ليطهركم } يمنعكم عن الوصل إلى ما جبلتم لأجله { من حرج } ويصفيكم أولا من التعيين وأدناسها { وليتم نعمته عليكم } ثانيا مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر { لعلكم تشكرون } [المائدة: 6] حيثن تفوزون ما تفوزون.
صفحة غير معروفة