{ إلا الذين تابوا } وندموا عما جرى عليهم من النفاق { وأصلحوا } بالتوبة ما أفسدوا بالنفاق من شعائر الإيمان والإسلام { واعتصموا بالله } وفضله ولطفه حين رجعوا إليه، وتوجهوا نحوه { و } بعدما تابوا واعتصموا بالله { أخلصوا دينهم } إطاعتهم وانقيادهم { لله } المنزه عن الشريك والنظير، المقدس عن المشير والظهير، ليس كثمله شيء، وهو السميع البصير { فأولئك } السعداء، المقبولون عند الله { مع المؤمنين } في روح الله وكنف لطفه ورحمته { وسوف يؤت الله المؤمنين } في يوم الجزاء { أجرا عظيما } [النساء: 146] هو الفو بشرف اللقاء.
{ ما يفعل الله } المتجلي في الآفاق بالاستحقاق { بعذابكم } طردكم وحرمانكم { إن شكرتم } تحققتم بظهوره في هوياتكم الباطلة، وأسندتم ما صدر وظهر منكم إليه أصالة واستقلالا { وآمنتم } عرفتم توحيده، واعترفتم به { و } متى فنيتم في هوية الحق { كان الله } بذاته { شاكرا } لنعمه { عليما } [النساء: 147] بنفسه ولقد أحسن من قال:
لقد كنت دهرا قبل أن يكشف الغطاء
أخال بإني شاكر لك ذاكر
فلما أضاء الليل أصبحت شاهدا
بأنك مذكور وذكر وذاكر
[4.148-151]
ومن متقضيات التوحيد أيها المتوجهون نحوه ألا تظهروا، وتبثوا إلى الله الشكوى في الأمور المتعلقة بالدنيا، ولا تلحوا في المناجاة والدعاء، فإن ناقدكم بصير بحاجاتكم، وعليكم الرضا بما جرى عليكم من القضاء، ونعم القرين الرضا؛ إذ { لا يحب الله } المتجلي باسم الرحمن على ذرائر الأكوان معتدلا، مستويا بلا تفاوت، ولا يمدح عنده { الجهر } والإشاعة { بالسوء } أي: لا يحب أن يجهر بالقبيح، المستهجين عقلا وشرعا، ويبالي بشأنه، ويستدعي لأجله؛ إذ لا يجري في ملكه إلا العدل والخير، خصوصا الجهر { من القول إلا } جهر { من ظلم } فإنه سبحانه يحبه، ويبادر إلى إجابته؛ إذ الظالم خارج عن مقتضى عدل الله وصراطه المستقيم { وكان الله } المتجلي على العدل القويم { سميعا } لجهر المظلوم { عليما } [النساء: 148] بظلم الظالم، وبما استحق له من الجزاء، يجازيه على مقتضى علمه.
{ إن تبدوا } أيها المؤمنون وتظهروا { خيرا } على رءوس الأشهاد { أو تخفوه } أي: تعطوه خفية عن الناس { أو تعفوا } تجاوزوا عن الظالم، ولم تنتقموا منه، ولم تتضرعوا إلى الله المنتقم { عن سوء } فعل الظالم بكم { فإن الله } المطلع لسرائركم ونياتكم { كان عفوا } عنكم، ماحيا لذنوبكم مع كونه { قديرا } [النساء: 149] على انتقامه منكم.
ثم قال سبحانه { إن الذين يكفرون بالله } ويشركون له بإثبات الوجود لغيره { ورسله } أي: يكفرون برسله، ويكذبونهم مع كونهم مبعوثين على الحق من عنده { و } مع كفرهم وتكذيبهم { يريدون أن يفرقوا بين الله } المتوحد، المتفرد بذاته، المستقبل في وجوده { ورسله } المستخلفين من عنده بظهوره عليهم بجميع أسمائه وصفاته { ويقولون } من غاية جهلهم بظهور الله، واستيلائه على مظاهرة: { نؤمن ببعض } من الرسل { ونكفر ببعض } آخر، مع أن ظهوره في الكل على السواء بلا تفاوت { ويريدون } وتوهمون { أن يتخذوا } ويثبتوا { بين ذلك } أي: ارتباط الظاهر بالمظهر والمظهر بالظاهر { سبيلا } [النساء: 150] غير سبيل لاحق المطابق للواقع.
صفحة غير معروفة