[4.86-88]
{ وإذا حييتم } أيها المؤمنون { بتحية } ناشئة من أخيكم المسلم { فحيوا بأحسن منهآ } أي: زيدوا عليها؛ وفاء لحق المبادرة { أو ردوهآ } كمثلها بلا نقصان شيء منها؛ وفاء لحق المؤاخاة { إن الله } المراقب لجميع حالاتكم { كان على كل شيء } صدر عنكم من خير وشر ونفع وضر { حسيبا } [النساء: 86] يحاسبكم بلا فوت شيء، ويجازيكم على مقتضى حسابه.
{ الله } الجامع لجميع مراتب الأسماء الموجودة المريبة لمسمياتكم وهوياتكم { لا إله } لا موجودة ولا مربي لكم في الوجود { إلا هو } الحي القيوم الذي لا يعرض له التغيير مطلقا { ليجمعنكم } وليحشرنكم من قبور تعيناتكم { إلى يوم القيامة } التي عرضوا فيها إلى الله، وحشروا نحوه مسنلخين عن هوياتكم الباطلة { لا ريب فيه } وفي جمعه، فلكم بعدما أخبرتم أن تصدقوه { ومن أصدق من الله حديثا } [النساء: 87] حتى تصدقوا حديثه وتؤمنوا، فعلكيم ألا تخالفوا حكم الله وأمره بعد وروده.
وإذا كان الأمر على هذا { فما } أي شيء عرض ولحق { لكم } أيها المؤمنون { في } أمر { المنافقين } حتى تكونوا { فئتين } فرقتين، ولم تتفقوا على كفرهم وشركهم { والله أركسهم } الحال أنه سبحانه قلبهم وردهم إلى كفرهم { بما كسبوا } لأنفسهم من الشرك بالله - العياذ بالله - والبغض مع رسوله والنفاق مع المؤمنين { أتريدون } بهذا التفرق والتردد في أمرهم { أن تهدوا من أضل الله } وتخالفوا كلمه، كأنكم لم تصدقوه { و } اعلم أيها الكامل في أمر الرسالة { من يضلل الله } عن نور الإيمان والهداية { فلن تجد } أنت مع كونك ممن أذن بالكشف عنه { له سبيلا } [النساء: 88] إلى الهداية فضلا عن أن يجده غيرك، وهم من غاية بغضهم معكم.
[4.89-90]
{ ودوا لو تكفرون } أي: تمنوا أن تكفروا { كما كفروا فتكونون } معهم { سوآء } في الكفر والضلال والبعد من جوار الله وكنفه، وإذا كان الأمر على هذه { فلا تتخذوا منهم } أي: أعداءكم { أوليآء } توالونهم وتوادونهم { حتى يهاجروا } أي: إلى أن يسلموا ويهاجروا { في سبيل الله } ويبعدوا عن ديارهم وعشائرهم؛ تقربا إلى الله وتوجها إلى رسوله { فإن تولوا } أي: أعرضوا عن الإسلام والتقرب إلى الله بعدما هاجروا عن ديارهم { فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم } كسائر المشركين { ولا تتخذوا منهم } أي: من هؤلاء المهاجرين المصرين على شركهم وكفره { وليا } توالونه { ولا نصيرا } [النساء: 89] تنصرونه، فعليكم أن تجانبوهم وتتركوا ولايتهم وودادهم.
{ إلا } المهاجرين { الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثق } عهد وثيق على ألا تستعينوا منهم ولا تعينوا عليهم، والمواصلون إليهم في حكمهم وعلى عهدهم، فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم حتى لا تنقضوا الميثاق { أو جآءوكم } حال كونهم قد { حصرت } ضاقت وانقضت { صدورهم } من الرعب، من المهابة، وحين كره ولم يؤذن { أن يقتلوكم أو يقتلوا قومهم } لأن المروءة تأبى عن ذلك؛ إذ هم ليسوا على عدة القتال، فعليكم ألا تبادروا إليه؛ إذ القتال إنما فرض مع المقاتلين المجترئين { ولو شآء الله } قتالكم { لسلطهم } لجرأهم { عليكم } وأزال رعبهم عنكم { فلقتلوكم } ولم ينصرفوا عنكم { فإن اعتزلوكم } وانصرفوا عنكم { فلم يقتلوكم } ولم يتعرضوا لكم { و } مع ذلك { ألقوا إليكم السلم } أي: الاستسلام والانقياد { فما جعل الله } الميسر { لكم } جميع أموركم { عليهم } أي: على قتلهم وأسرهم { سبيلا } [النساء: 90] بل اصبروا حتى يأذدن الله لكم.
[4.91-92]
{ ستجدون آخرين } من الكفار { يريدون أن يأمنوكم } بإظهار الهدنة والمحبة والاستسلام { ويأمنوا قومهم } عن شركم وقتالكم، هم أعداء لكم لا تغفلوا عنهم وعن هجومهم بغتة؛ إذ هم { كل ما ردوا إلى الفتنة } إلى الكفر والعداوة { أركسوا فيها } وعادوا إليها وصاروا على ما كانوا، بل أشد منه { فإن لم يعتزلوكم } إظهارا لودادتكم { ويلقوا إليكم السلم } تخديعا وتأمينا { ويكفوا أيديهم } عن قتالكم تغريرا لكم حتى يتهيئوا أسبابهم { فخذوهم } وأسروهم { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } حيث وجدتموهم في داركم أو دارهم { وأولئكم } المغرورون بخداعهم { جعلنا لكم عليهم } على أخذهم وقتلهم { سلطانا مبينا } [النساء: 91] حجة واضحة، فعليكم ألا تعبئوا بدعواهم، ولا تغتروا بصلحهم وكفهم، وإلقائهم السلم؛ إذ هم من غاية بغضهم معكم يريدون أن يخدعوكم وينتهزوا الفرصة لمقتكم.
{ وما كان } أي: ما صح وجاز { لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا } لا قصدا واختيارا مطلقا { ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة } أي: لزم عليه شرعا تحرير رقبة متصفة بالإيمان، محكومة به؛ ليكون كفارة مسقطة لحق الله { و } لزم عليه أيضا { دية } كاملة { مسلمة إلى أهله } ورثته الذين يرثون منه حفظا لحقوقهم، وجبرا لما انكسر من قلوبهم { إلا أن يصدقوا } أي: يسقطوا حقوقهم متصدقين { فإن كان } المقتول { من } عداد { قوم عدو لكم } عداوة بينة { وهو } أي: المقتول { مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } أي: فالواجب على القاتل تحرير رقبة مؤمنة فقط، إذ لا مواساة مع أهله، ولا وراثة لهم منه { وإن كان } المؤمن المقتول { من قوم } ذوي ذمة { بينكم وبينهم ميثاق } عهد وثيق { فدية } أي: فاللازم حينئذ دية كاملة { مسلمة إلى أهله } حفظا للميثاق ومواساة معهم رجاء أن يؤمنوا؛ إذ سر المواثيق والعهود الواقعة بين أهل الإيمان والكفر إنما هو المواسة والمداراة معهم ملاطفة؛ رجاء أن يرغبوا بالإيما طوعا { وتحرير رقبة مؤمنة } لإسقاط حق الله وجبر ما انكسر من حدوده { فمن لم يجد } رقبة مملوكة ولا ما يتوصل به إلأيها { فصيام شهرين متتابعين } فعليه أن يصوم شهرين كاملين على التوالي بلا فصل كسرا لما جرأه على هذا الخطأ، وليكون { توبة } مقبولة عند الله مكفرة لخطئه ناشئة { من } خوف { الله } وخشيته لاجترائه على تخريب بيته { وكان الله } المطلع بصمائر عباده { عليما } بحاله وقت إنابته ورجوعه { حكيما } [النساء: 92] فيما أمره وحكم عليه لإزالة ما عليه وما صدر عنه.
صفحة غير معروفة