53

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

محقق

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

الناشر

دار طيبة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ عِنْدَ الْيَاءِ وَزَادَ حَمْزَةُ عِنْدَ الْوَاوِ وَالْآخَرُونَ لَا يُدْغِمُونَهَا وَيُخْفِي أَبُو جَعْفَرٍ النُّونَ وَالتَّنْوِينَ عِنْدَ الْخَاءِ وَالْغَيْنِ ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ أَيْ هُوَ هُدًى أَيْ رُشْدٌ وَبَيَانٌ لِأَهْلِ التَّقْوَى، وَقِيلَ هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ هَادِيًا تَقْدِيرُهُ لَا رَيْبَ فِي هِدَايَتِهِ لِلْمُتَّقِينَ وَالْهُدَى مَا يَهْتَدِي بِهِ الْإِنْسَانُ، لِلْمُتَّقِينَ أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: الْمُتَّقِي مَنْ يَتَّقِي الشِّرْكَ وَالْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الِاتِّقَاءِ. وَأَصْلُهُ الْحَجْزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَمِنْهُ يُقَالُ اتَّقَى بِتُرْسِهِ أَيْ جَعَلَهُ حَاجِزًا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا يَقْصِدُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: "كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ" (١) أَيْ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ جَعَلْنَاهُ حَاجِزًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، فَكَأَنَّ الْمُتَّقِي يَجْعَلُ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ وَالِاجْتِنَابَ عَمَّا نَهَاهُ حَاجِزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَذَابِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ (٢) حَدِّثْنِي عَنِ التَّقْوَى فَقَالَ: هَلْ أَخَذْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهِ قَالَ: حَذِرْتُ وَشَمَّرْتُ: قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ التَّقْوَى. وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: الْمُتَّقِي الَّذِي يَتْرُكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: التَّقْوَى تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ فَمَا رَزَقَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ. وَقِيلَ هُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَفِي الْحَدِيثِ: "جِمَاعُ التَّقْوَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" (٩٠-النَّحْلِ) الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: التَّقْوَى أَنْ لَا تَرَى نَفْسَكَ خَيْرًا مِنْ أَحَدٍ. وَتَخْصِيصُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفٌ لَهُمْ أَوْ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُتَّقُونَ بِالْهُدَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ مَوْضِعُ الَّذِينَ خَفْضٌ نَعْتًا لِلْمُتَّقِينَ. يُؤْمِنُونَ: يُصَدِّقُونَ [وَيَتْرُكُ الْهَمْزَةَ أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ وَالْآخَرُونَ يَهْمِزُونَهُ وَكَذَلِكَ يَتْرُكَانِ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ نَحْوَ يُؤْمِنُ وَمُؤْمِنٌ إِلَّا أَحْرُفًا مَعْدُودَةً] (٣) . وَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا" (١٧-يُوسُفَ) [أَيْ بِمُصَدِّقٍ لَنَا] (٤) وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ: الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلُ بِالْأَرْكَانِ، فَسُمِّيَ الْإِقْرَارُ وَالْعَمَلُ إِيمَانًا؛ لِوَجْهٍ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِعِهِ. وَالْإِسْلَامُ: هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ، فَكُلُّ إِيمَانٍ إِسْلَامٌ وَلَيْسَ كُلُّ إِسْلَامٍ إِيمَانًا، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَصْدِيقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا" (١٤-الْحُجُرَاتِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ

(١) رواه مسلم في الجهاد والسير باب في غزوة حنين (١٧٧٦) عن البراء: ٣ / ١٤٠١. وأخرجه المصنف في شرح السنة ٤ / ٣٣. (٢) انفرد ابن كثير بأن المسئول هو أبي بن كعب - حاشية ابن كثير. (٣) زيادة من (ب) . (٤) زيادة من (ب) .

1 / 60