229

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

محقق

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

الناشر

دار طيبة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَصَلَبُوهُ حَيًّا فَقَالَ اللَّهُمَّ: إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ حَوْلِي يُبَلِّغُ سَلَامِي رَسُولَكَ فَأَبْلِغْهُ سَلَامِي، ثُمَّ قَامَ أَبُو سِرْوَعَةَ عقبة بن الحرث فَقَتَلَهُ. وَيُقَالُ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ سَلَامَانُ، أَبُو مَيْسَرَةَ، مَعَهُ رُمْحٌ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْ خُبَيْبٍ فَقَالَ لَهُ خُبَيْبٌ: اتَّقِ اللَّهَ فَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلَّا عُتُوًّا فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ وَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷿ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ يَعْنِي سَلَامَانَ. وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فَبَعَثَهُ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُسَمَّى نِسْطَاسَ إِلَى التَّنْعِيمِ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الْآنَ بِمَكَانِكَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ وَإِنَّكَ فِي أَهْلِكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ يُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، ثُمَّ قَتَلَهُ النِّسْطَاسُ. فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ هَذَا الْخَبَرُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَيُّكُمْ (يُنْزِلُ) (١) خُبَيْبًا عَنْ خَشَبَتِهِ وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَصَاحِبِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، فَخَرَجَا يَمْشِيَانِ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنَانِ بِالنَّهَارِ حَتَّى أَتَيَا التنعيم ليلأ ٣١/ب وَإِذَا حَوْلَ الْخَشَبَةِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ نَائِمُونَ نَشَاوَى فَأَنْزَلَاهُ فَإِذَا هُوَ رَطْبٌ يَنْثَنِي لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَدُهُ عَلَى جِرَاحَتِهِ وَهِيَ تَبِضُّ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ، فَحَمَلَهُ الزُّبَيْرُ عَلَى فَرَسِهِ وَسَارَا فَانْتَبَهَ الْكُفَّارُ وَقَدْ فَقَدُوا خُبَيْبًا فَأَخْبَرُوا قُرَيْشًا فَرَكِبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، فَلَمَّا لَحِقُوهُمَا قَذَفَ الزُّبَيْرُ خُبَيْبًا فَابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ فَسُمِّيَ بَلِيعَ الْأَرْضِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا جَرَّأَكُمْ عَلَيْنَا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، ثُمَّ رَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَقَالَ: أَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَأُمِّي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ وَصَاحِبِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَسَدَانِ رَابِضَانِ يُدَافِعَانِ عَنْ شِبْلَيْهِمَا فَإِنْ شِئْتُمْ نَاضَلْتُكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ نَازَلْتُكُمْ وَإِنْ شِئْتُمُ انْصَرَفْتُمْ، فَانْصَرَفُوا إِلَى مَكَّةَ، وَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَجِبْرِيلُ عِنْدَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتُبَاهِي بِهَذَيْنِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَنَزَلَ فِي الزُّبَيْرِ وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾ حِينَ شَرَيَا أَنْفُسَهُمَا لِإِنْزَالِ خُبَيْبٍ عَنْ خَشَبَتِهِ (٢) . وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ حِينَ أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

(١) في أغزل. (٢) انظر فتح الباري: ٧ / ٣٧٨ -٣٧٩ وعيون الأثر لابن سيد الناس: ٢ / ٥٦-٦٦.

1 / 238