219

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

محقق

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

الناشر

دار طيبة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

تَعَالَى "لَا رَيْبَ فِيهِ" أَيْ لَا تَرْتَابُوا "وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ" أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كَانُوا يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ وَيَقُولُونَ نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نَحُجُّ بَيْتَ اللَّهِ فَلَا يُطْعِمُنَا؟ فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، وَرُبَّمَا يُفْضِي بِهِمُ الْحَالُ إِلَى النَّهْبِ وَالْغَصْبِ، فَقَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ أَيْ مَا تَتَبَلَّغُونَ بِهِ وَتَكْفُونَ بِهِ وُجُوهَكُمْ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: الْكَعْكُ وَالزَّبِيبُ وَالسَّوِيقُ وَالتَّمْرُ وَنَحْوُهَا ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ مِنَ السُّؤَالِ وَالنَّهْبِ ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ يَا ذَوِي الْعُقُولِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا (١)، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا قَوْمٌ نَكْرِي فِي هَذَا الْوَجْهِ، يَعْنِي إِلَى مَكَّةَ، فَيَزْعُمُونَ أَنْ لَا حَجَّ لَنَا، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تُحْرِمُونَ كَمَا يُحْرِمُونَ وَتَطُوفُونَ كَمَا يَطُوفُونَ وَتَرْمُونَ كَمَا يَرْمُونَ؟ قُلْتُ بَلَى، قَالَ: أَنْتَ حَاجٌّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ أَيْ حَرَجٌ ﴿أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا﴾ أَيْ رِزْقًا ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ يَعْنِي بِالتِّجَارَةِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ﴾ دَفَعْتُمْ، وَالْإِفَاضَةُ: دَفْعٌ بِكَثْرَةٍ وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَفَاضَ الرَّجُلُ مَاءً أَيْ صَبَّهُ ﴿مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ هِيَ جَمْعُ عَرَفَةَ، جَمْعٌ بِمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ بُقْعَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهِمْ ثَوْبُ أَخْلَاقٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَأَجْلِهِ سُمِّيَ الْمَوْقِفُ عَرَفَاتٍ وَالْيَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ جِبْرِيلُ ﵇ يُرِي إِبْرَاهِيمَ ﵇ الْمَنَاسِكَ وَيَقُولُ عَرَفْتَ؟ فَيَقُولُ عَرَفْتُ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ عَرَفَاتٍ وَالْيَوْمُ عَرَفَةَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّ آدَمَ ﵇ لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ وَقَعَ بِالْهِنْدِ وَحَوَّاءُ بِجَدَّةَ فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْلُبُ صَاحِبَهُ فَاجْتَمَعَا بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَتَعَارَفَا فَسُمِّيَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ، وَقَالَ السُّدِّيُّ لَمَّا أَذَّنَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ وَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَاتٍ وَنَعَتَهَا لَهُ فَخَرَجَ فَلَّمَا بَلَغَ الْجَمْرَةَ (٢) عِنْدَ الْعَقَبَةِ اسْتَقْبَلَهُ الشَّيْطَانُ لِيَرُدَّهُ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَطَارَ، فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُ ذَهَبَ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أَتَى ذَا الْمَجَازِ، فَلَّمَا نَظَرَ إِلَيْهِ لَمْ يَعْرِفْهُ فَجَازَ فَسُمِّيَ ذَا الْمَجَازِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَعَرَفَهَا بِالنَّعْتِ فَسُمِّيَ الْوَقْتُ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ حَتَّى إِذَا أَمْسَى ازْدَلَفَ إِلَى جَمْعٍ،

(١) أخرجه البخاري في البيوع: ٤ / ٣٢١ وفي الحج ٣ / ٣٩٥ والمصنف في شرح السنة: ٨ / ٣. (٢) في المخطوطتين الشجرة والصحيح الجمرة كما جاء في أكثر التفاسير كابن كثير.

1 / 228