تفسير الراغب الأصفهاني
محقق
د. هند بنت محمد بن زاهد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين
مكان النشر
جامعة أم القرى
وقبل الجواب عن ذلك يجب أن نقدم مقدمة تزول الشبهة بها عن ذلك وعن أمثاله، ويكتفي بتصورها عن آحاد هذه " الأسئلة " ونظائرها، وهو أن الخبرين اللذين أحدهما نفي والآخر إثبات إنما يتناقضان إذا استويا في الخبر والمخبر عنه، وفي المتعلق بهما، وفي الزمان والمكان، وفي الحقيقة والمجاز: فأما إذا اختلفا في واحد من ذلك فليسا بمتناقضين نحو أن يُقال زيد مالك، زيد ليس بمالك، وتريد بأحد الزيدين غير الآخر، أو تريد بأحد المالكين المبني " من " المل، وبالآخر المبني من الملك الذي هو الشد، أو تريد بأحدهما: المالك في الحال، وبالآخر أنه ممن يصح ملكه كالعبد.
أو تعني بأحدهما بأصبهان وبالآخر ببغداد، أو تعني بأحدهما في زمان، و" بالأخر في زمان " آخر غير الزمان الأول، فكل هذا لا تناقض فيه، فإن المراد بأحد الخبرين غير المراد بالآخر، وعلى ذلك كل ما يوصف بوصفين متضادين على نظرين مختلفين، نحو من يقول: في " الوحي " و" البكرة الدائرة على مركزها ": إنها سائة أو منتقلة لعتبار بعض أجزائها ببعض، ويقول آخر: إنها غير سائرة أو غير منتقلة اعتبارًا بجملة أجزائها، وأنها لا تتبدل عن المركز، فإن ذلك لا تضاد بينهما، وكذلك إذا قيل: فلان لين العود - وُيرادُ به في السخاء - وقول آخر: ليس بلين العود - ويراد به في الشجاعة، وعلى ذلك ما يتختلف به الحال في الإضافة إلى حالين أو إلى نفسين، نحو أن يقال: المال صالح - اعتبارًا بحال ما أو بذات ما، ويقول الآخر: إن المال ليس بصالح - إعتبارًا بحال أخرى أو بذات أخرى، وعلى ذلك الحكم في كل ما له مبدأ وغاية، مثل: الإيمان، والشرك، والتوكي، وذلك أن " الإيمان " لما كان مبدؤه إظهار الشهادتين كما قال ﵊ في الجارية التي أشارت إلى السماء: " إنَّهَا مُؤْمِنَةّ "، وكان
1 / 24