196

تفسير الراغب الأصفهاني

محقق

د. هند بنت محمد بن زاهد سردار

الناشر

كلية الدعوة وأصول الدين

مكان النشر

جامعة أم القرى

بالحاسة، وهو إدراك البصر، والثاني بالوهم والتخيل، نحو أرى أن زيدًا منطلق، أي أتوهم، وقد يكون ذلك في اليقظة طورًا، وفي المنام طورًا، لكن يجعل اسم ما في المنام رؤيا، والثالث بالتفكير، والرابع بالعقل المشار إليه في قوله: ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ فأما الرؤية الحسية على ما هي [عليه] في الدنيا من المقابلة، وكونها في جهة دون جهة فمنفية عن الباري سبحانه، إذ كان ذلك لا يصح إلا على جسم ذي لون وكيفية ولعدم اللون لا يبصر الهواء مع كونه جسمًا ولا يصح أيضًا على الله الرؤية الوهمية إذ كان ذلك تصور هيئة محسوس كما تقدم أو مثل محسوس باطلًا كتوهم إنسان طائر، وأما الفكرية فهي للعلماء في الدنيا وذلك إدراك المعرفة بالفكر [والرؤية] وإياه عنى أمير المؤمنين بقوله: " لم تره العيون بشواهد الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان "، وأما العقلية فإنها تحصل في الآخرة لكل أحد من حيث أنهم يضطرون إلى معرفته تعالى، لكن للمؤمنين حالة زائدة تقصر العبادة عنها، وهي المبشر بها في قوله ﵇: (ترون ربكم ﷿ كما ترون القمر ليلة البدر) والمشار إليها بقوله ﷿ ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾. ولا يحصل في الدنيا إلا لبعض الأنبياء في بعض الأحوال، وذلك بتصور أفعاله تعالى مجردة عن أفعال المخلوقين بلا شبهة تعتريه ولتعري نفسه من الشهوات والهوى، ولكون ذلك لبعض الأنبياء في حال دون حال، قال ﵇: " رأيت ربي في بعض طرقات المدينة "، بمعنى وأنا فيها وقال تعالى:

1 / 196