تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين
الناشر
دار مكتبة الحياة
مكان النشر
بيروت - لبنان
تلك اللذات من أفهام الكافة شبهَّها ومثَّلها لهم بأنواع ما تدركها حواسهم فقال تعالى: (مثَل الجنة التي وُعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهارٌ من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى) . ليبين للكافة طيبها بما عرفوه من طيب المطاعم وقال: (مثل الجنة التي وُعد المتقون) . ولم يقل الجنة لينبه الخاصة على أن ذلك تصوير وتمثيل، فالإنسان وإن اجتهد ما اجتهد أن يطلع على تلك السعادة فلا سبيل له إليها إلاّ على أحد وجهين: أحدهما أن يفارق هذا الهيكل، ويخلّف وراءَه هذا المنزل فيطلع على ذلك كما قال الله تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا قل انتظروا وإنا منتظرون) . والثاني أن يزيل قبل مفارقة الهيكل الأمراض النفسانية المشار إليها بوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا) وأرجاسها المشار إليها بقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا) فيطلع من وراءِ ستر رقيق على بعض ما أعد له كما حكي عن حارثة حيث قال للنبي ﷺ عزفت نفسي من الدنيا فكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا وأطلع على أهل الجنة يتزاورون وعلى أهل النار يتعاوَوْن فقال له النبي ﷺ: " عرفت فالزم " وقال أمير المؤمنين عليٌّ ﵇: " لو كُشف الغِطاء ما ازددتُ يقينًا ".
1 / 68