وهنا يمكننا أن ندلف إلى موقف لاكاتوش من التجارب الحاسمة، حيث ينكر أهمية ودور التجارب الحاسمة في برامج البحث العلمي؛ فهو يقرر أن التجارب الحاسمة ليس لها قوة كي تنحي برنامج بحث؛ حيث يؤكد التسامح المنهجي، فلا وجود للبت القاطع؛ إذ إن إلغاء برنامج يستغرق زمنا، كما أن قبول برنامج جديد يستغرق زمنا أيضا؛
74
وفي هذا يقول لاكاتوش: «لا يوجد هناك تجارب حاسمة إذا عنينا بذلك تجارب تؤدي مباشرة إلى القضاء على برنامج معرفي معين. وفي الحقيقة فإنه في حال انهزام برنامج بحث معرفي واستبداله ببرنامج معرفي آخر، يمكننا مستفيدين من مرور فترة طويلة من الزمن «تسمية تجربة حاسمة إذا ظهرت جليا أنها كانت مؤيدة للبرنامج المنتصر وداحضة للبرنامج المهزوم»، وبعبارة أخرى لا يعير العلماء آذانهم بسهولة إلى نتائج التجارب السلبية بادئ الأمر، ولا بد من مرور فترة طويلة من الأبحاث والاختبارات كي يقبل سوادهم بفشل النظام المعرفي الذي دحضته التجربة، فلا تصبح هذه الأخيرة حاسمة في انهزامه إلا بعد أن تكون قد ترسخت النظرية الجديدة في الأوساط العلمية، فيمكننا فقط عندها القول بأنها تجربة حاسمة.»
75
وقد تأخذ الأمور منحى أكثر تعقيدا حسب لاكاتوش: «فإذا وضع عالم من أنصار المعسكر المهزوم بعد بضع سنوات تفسيرا علميا لما دعي ب «التجربة الحاسمة» يجعلها متفقة مع البرنامج المهزوم، فإن صفة الشرف يمكن نزعها عن تلك التجربة وتتحول بذلك «التجربة الحاسمة» من هزيمة إلى نصر للبرنامج القديم.»
76
وهكذا قد تستمر نظرية ما في مقاومة التغيير لفترات طويلة، وقد تصبح عائقا أمام أي محاولات جدية لدحضها فتسد آذان العلماء عن صوت البنى الطبيعية المناقض لها، وتخلق انقطاعا مرحليا في المسار العلمي نحو الحقيقة. وقد يطول هذا الانقطاع أو يقصر جاعلا من مفهوم التقدم نحو البنى الموضوعية مفهوما تاريخيا لا تندرج فيه أية حقبة منعزلة من تطور المعرفة، بل المسار التاريخي برمته.
77
ومن ناحية أخرى يؤكد لاكاتوش أن هناك علاقة حميمة بين التجربة الحاسمة من جهة والعقلانية الفورية
Instant Rathionality ؛ فالإيمان بالتجربة الحاسمة هو إيمان بالعقلانية الفورية والعكس صحيح كذلك؛ ذلك أن مفهوم التجربة الحاسمة يقوم على تمكين العالم من الاختبار الفوري بين النظريات والبرامج العلمية المتنافسة، لجأ إليها بصورة يوتوبية كل من التجريبيين المناطقة وكارل بوبر ، وفي هذ يقول لاكاتوش: «إن فكرة العقلانية الفورية يمكن أن تكون مثل المدينة الفاضلة «يوتوبيا» لكن هذه الفكرة التي يحلم بها هي خاتم دامغ لكل أنواع نظرية المعرفة. التبريريون يريدون إثبات النظريات حتى قبل نشرها. والاحتماليون يأملون في وجود آلة تستطيع أن تعطي في لمحة قيمة النظرية (درجة التحقيق) التي أعطيت البرهان. والمكذبون السذج يأملون أن يكون الاستبعاد هو النتيجة العاجلة لتحقيق التجربة على الأقل.»
صفحة غير معروفة