Aldo Mieli » في كتابة «العلم عند العرب وأثره في تطوير العلم العالمي»، حيث أكد بأن القسم الأكبر من العلماء العرب كانوا من الوثنيين والمسيحيين واليهود والفرس، وهذا العلم العربي وإن كان قد تأثر إلى حد كبير بالعلم اليوناني والهندي والإيراني، إلا أن فيه جانبا عظيما من الابتكار والإبداع، وفي هذا يقول: «ولكن ينبغي ألا تظن أن العرب لم يضيفوا شيئا جديدا إلى العلم الذي كانوا أوصياء عليه، بل على النقيض من ذلك، وإذا كانت خطوات التنمية والإنضاج التي خطوها في هذا السبيل كثيرا ما ضاعت وتفرقت في الحشد الكبير من الكتب التي تركوها، فليست تلك الخطوات أقل أصالة وأبعد عن الواقع من أجل ذلك. وليس لأحد أن يقول - كما يقرر ذلك بعض المؤلفين - إن دور العرب ينحصر ببساطة في المزج والنقل لمعارف الأقدمين التي لولاهم لذهبت أدراج الرياح؛ الأمر الذي هو في ذاته عنوان فخر عظيم وشرف لا يستهان به.»
21
وينتهي ألدو مييلي إلى أن هناك علما عربيا، وإن كانت التسمية بالعلم العربي، مع كونها ليست دقيقة على الإطلاق، هي برغم ذلك أحسن العناوين التي يمكن إطلاقها على العلم الذي ازدهر من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر الميلادي، في البلدان التي سادها الإسلام، والذي ظهر في الآثار العلمية وأنواع الإنتاج العلمي والأدبي.
22
ثم يناقش ألدو مييلي قضية أثارها كثير من زملائه المستشرقين حول هل هناك علم عربي أم علم إسلامي؟
ويرى ألدو مييلي أن التسمية بالعلم الإسلامي غير دقيقة على الإطلاق، وحجته في هذا أن كثيرا من المسيحيين واليهود والزرادشتيين والوثنيين قد قاموا بقسط وافر في إنضاج ذلك العلم. ثم يستطرد فيقول بأنه ليس من العدالة بحال أن نفصل الكتب التي ألفت في نفس المحيط بالسريانية أو الفارسية أو العبرية؛ فهي جميعا تؤلف وحدة من حيث روحها - ومن حيث التأثير المتبادل بينها بوجه عام - هذا التقسيم الصناعي المحض في كتب الآداب العربية والفارسية والعبرية ... إلخ.
23
كما يذكر أن بعض سميه من المستشرقين يريد أن يفهم هذا التقسيم، بمعنى أن مؤلفي تلك التواريخ يعنون بقوالب الكتب التي يدرسونها في اللغات المختلفة أكثر من عنايتهم بالروح والجو الحقيقيين لهذه الكتب. بيد أنه حتى في هذا المجال يجد القارئ الحصيف مثل هذا التقسيم متعنتا وغير طبيعي.
24
ويوضح ألدو مييلي هذا بوضوح فيقول: «إننا إذا رغبنا الدقة في استعماله ينبغي أن نقتصر على العلم الذي يتعلق فقط بالشعوب التابعة للدين الإسلامي. وعلى ذلك نستطيع أن نتحدث عن قانون إسلامي؛ لأن هذا يعترف بالقرآن والحديث أساسا له، كما يطبق فقط على المؤمنين الحقيقيين، على حين أن الأشخاص التابعين لعقائد أخرى يخضعون لقوانينهم الخاصة (الدينية بوجه عام)، بل نستطيع أيضا أن نتحدث عن علم إسلامي، ولكن بمعنى يختلف عن المعتاد، حين نفهم من لفظ «علم» ذلك المعنى الواسع المدى له عند العرب، ناظرين إلى العلوم الإسلامية بوجه خاص؛ أي الفقه وعلم الكلام الإسلامي ... إلخ. وعلى نقيض ذلك ينبغي أن يخرج من هذا المعنى تماما ما نسميه اليوم علما بوجه خاص؛ أي الرياضيات والطبيعة وعلم الأحياء ... إلخ.»
صفحة غير معروفة