ثم قال ناصرك: المقدمة الخامسة: إن كتاب ((كشف الظنون)) لم يصرح أحد من المحققين بكونه غير معتبر، بل استندوا به، حتى أن المعترض نفسه قد استند به في غير واحد من المواضع وأثنى عليه... الخ.
ثم ذكر من تصانيفي ثمانية وعشرين موضعا أخذت فيها عن ((كشف الظنون)).
أقول: نعم؛ إني استندت ب((كشف الظنون)) في كثير من المقامات، ونقلت منها كثيرا من العبارات، لكن بيني وبينك بون بعيد، وتفاوت شديد.
وقائل كيف تفرقتما
فقلت قولا فيه إنصاف
لم يك من شكلي ففارقته
والناس أشكال وآلاف
فإني أنقل ما أنقل عنه مع التيقظ والتبصر، وآخذ ما آخذ منه مع التنقيد والتسديد والتذكر، ويحصل لي وقوف على مواضع سقطاته، والاطلاع على فلتاته.
ولست أنا ممن ينقل منه كنقل النقال، ويأخذ منه كأخذ الغفال، ويسرق منه كسرقة البطال، وينتحل منه كانتحال القوال:
من غير أن يقف على ما فيه من المسامحات والمعارضات، ويطلع على ما فيه من المناقضات والمغالطات، ومن غير أن يعلم ما فيه من الأغلاط الواضحة، لا يدري أهي من مؤلفها، أم من الطائفة الناسخة والطابعة.
ومن غير أن يتأمل فيما فيه بعقله، ويضم فهمه إلى نقله، فيعرف بطلان ما شهد العيان ببطلانه، ويذعن بفساد ما شهد البرهان بطغيانه، فلن يتم أمر النقل إلا بالعقل، ولا أمر العقل إلا بالنقل، فالعقل الصرف لا سيما في الأمور المنقولة يضل الإنسان، والنقل الصرف وإن كان في الأمور المأثورة يوصله إلى الطغيان.
ومن غير أن يميز بين سقيمه وصحيحه، ورطبه ويابسه، وغثه وسمينه، وصوابه وغلطه.
صفحة ٢٢٥