التذكرة في الوعظ
محقق
أحمد عبد الوهاب فتيح
الناشر
دار المعرفة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٠٦
مكان النشر
بيروت
أما بلوى الْعباد فَإِذا حَضرتهمْ الْوَفَاة إنقسموا إِلَى محب وكاره للفناء وراض وساخط للْقَضَاء فَمن مَاتَ على حَال من هَذِه الْأَحْوَال ختم عمله بهَا وَألْحق بِأَهْلِهَا فَقَوله ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا مَعْنَاهُ يختبركم فَينْظر أَيّكُم لَهُ أطوع وَإِلَى رِضَاهُ أطلب وأسرع وَفِي الحَدِيث عَنهُ ﷺ أَنه يَقُول إِن الله أذلّ ابْن آدم بِالْمَوْتِ وَعَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة ليَبْلُوكُمْ قَالَ أذلّ الله ابْن آدم بِالْمَوْتِ وَجعل الدُّنْيَا دَار حَيَاة وَدَار فنَاء وَجعل الْآخِرَة دَار جَزَاء وَدَار وَبَقَاء فقد اتَّضَح بِهَذَا الحَدِيث والأثر أَن فِي الْمَوْت حِكْمَة لمن أَرَادَ التدبر وعبرة لمن اعْتبر فَمن الْحِكْمَة فِي الْمَوْت وضع عماد المتكبرين وتنغيص حَيَاة المترفين وَتَكْذيب ظنون الآملين وتنبيه عقول الغافلين وإزعاج قُلُوب المطمئنين وَرفع أَيدي المتسلطين وَتَخْفِيف أثقال الْعِبَادَة عَن العاملين وَفَوْز المحبين بلقاء من كَانُوا إِلَيْهِ مشتاقين وَلَو لم يكن فِي الْمَوْت إِلَّا أَنه قَضَاء رب الْعَالمين لَكَانَ الرِّضَا بِهِ فرضا لَازِما لجَمِيع الْمُؤمنِينَ الْمَوْت انْقِطَاع عَن دارالفناء واتصال بدار الْبَقَاء وَخُرُوج من دَار الْعَمَل وَدخُول فِي دَار الْجَزَاء الْمَوْت رَاحَة الْمُسِيء والمحسن أما الْمُسِيء فَيَنْقَطِع عَنهُ اسْتِمْرَار طغيانه وَأما المحسن فيفضي إِلَى دَار الْجَزَاء على إحسانه الْمَوْت فِيهِ لِقَاء الأحباب وإحراز الثَّوَاب فَلَيْسَ يكرههُ إِلَّا مريب مرتاب
1 / 107