قال المؤلف رضي الله عنه: وإنما كان القرآن أفضل الذكر والله أعلم لأنه مشتمل على جميع الذكر من تهليل وتذكير وتحميد وتسبيح وتمجيد وعلى الخوف والرجاء والدعاء والسؤال والأمر بالتفكر في آياته والاعتبار بمصنوعاته إلى غير ذلك مما شرح فيه من واجبات الأحكام، وفرق فيه بين الحلال والحرام، ونص فيه من غيب الأخبار، وكرر فيه من ضرب الأمثال والقصص والمواعظ للإفهام حسب ما قال وقوله الحق: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فمن وقف على ذلك وتدبره فقد حصل أفضل العبادات، وأسنى الأعمال والقربات ولم يبق عليه ما يطالب به بعد ذلك من شيء. وقد روى الترمذي في جامعه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يقول الرب تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين قال وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه)) قال: هذا حديث حسن غريب وهذا نص في الباب لا يحتمل التأويل، وهو يفسر قوله تعالى في الحديث الآخر: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه من قرأ القرآن واشتغل به عن الدعاء أعطاه الله تعالى أفضل سؤال سأله أحد من خلقه. وروى: ((من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين)) خرجه ابن شاهين أبو حفص عمر بن أحمد.
وذكر الوايلي من حديث بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما تكلم العباد بكلام أحب إلى الله تعالى من كلامه، وما تقرب إلى الله عز وجل أحب إليه من كلامه)) قال الوايلي: هذا حديث فيه إرسال، وعطية من التابعين تابعي، ولكن الرواة مشاهير، وبقية إذا روى عن المشهورين كان حجة. وعن فروة ابن نوفل قال: سمعت خباب بن الأرت وأقبلت معه من المسجد إلى منزله فقال لي: إن استطعت أن تقرب إلى الله عز وجل فإنك لا تقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه.
قال المؤلف رضي الله تعالى عنه: رواه الترمذي مرفوعا بمعناه من حديث أبي أمامة، وقد تقدم في الباب الرابع.
صفحة ٥٠