وممن قال بالتفضيل إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين وهو اختيار الحليمي والقاضي أبي بكر بن العربي وابن الحصار وغيرهم لحديث أبي سعيد بن المعلى خرجه البخاري. قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه, فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: ((ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم)) ثم قال: ((لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد)) ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن؟ قال: ((الحمد لله رب العالمين وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)) وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) خرجه الترمذي وهو في الموطأ مرسل وقد رواه يزيد بن زريع قال: حدثنا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي وهو يصلي الحديث, بمعناه, وخرجه الترمذي قال: حدثنا قتيبة ابن سعيد قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء وقال هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أنس بن مالك وفي البخاري ومسلم عن أبي بن كعب أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يا أبي أي آية معك في كتاب الله تعالى أعظم)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم, فقال: ((يا أبي أي آية معك في كتاب الله أعظم )) قال: قلت: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} قال: فضرب في صدري وقال: ((ليهنك العلم يا أبا المنذر)) قال ابن الحصار: عجبي ممن لا يذكر الاختلاف مع هذه النصوص. وقال ابن العربي: قوله ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثلها وسكت عن سائر الكتب كالصحف المنزلة والزبور وغيرها لأن هذه المذكورة أفضلها وإذا كان الشيء أفضل الأفضل كان أفضل الكل كقولك زيد أفضل العلماء فهو أفضل الناس, وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها حتى أن قيل جميع القرآن فيها, وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن, ومن شرفها أن الله قسمها بينه وبين عبده ولا تصح القربة إلا بها, ولا يلحق عمل بثوابها, وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم كما صارت قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن إذ القرآن توحيد وأحكام ووعظ, وقل هو الله أحد فيها التوحيد كله وبهذا المعنى وقع البيان في قوله عليه السلام: ((أي آية في القرآن العظيم؟)) قال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وإنما كانت أعظم آية لأنها توحيد كلها كما صارت في قوله عليه السلام: ((أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) أفضل الذكر لأنها كلمات حوت جميع العلوم في التوحيد والفاتحة تضمنت التوحيد والعبادة والتذكير ولا يستبعد ذلك في قدرة الله تعالى وقال الحليمي: وقد يقال سورة خير من سورة, وآية خير من آية بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل وهو الاحتراز مما يخشى, والاعتصام بالله تعالى مما يكره وذلك كقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين وخاتمة سورة البقرة ونحو ذلك مما جاء فيه التحرز من المكاره.
وقد يقال أن الناسخة خير, أي العمل بها خير بالناس وأعود عليهم وعلى هذا يقال آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص لأن القصص إنما أريد به تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير, ولا غنى بالناس عن هذه الأمور, وقد يستغنون عن القصص. فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصل خيرا لهم مما يجعل تبعا لما بد منه.
قال المؤلف رضي الله عنه: وإذا تقرر القول بالتفضيل على الصحيح من القولين، فكذلك القول في تفضيل الأنبياء عليهم السلام. قال الله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} وقال تعالى: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} فكذلك منهم رسل وأولو عزم، ومنهم من أتخذ خليلا وكلم تكليما، ورفع بعضهم درجات كما أخبر وذلك بزيادة الأحوال والخصوص والكرامات، والألطاف المتواليات والمعجزات المتباينات.
صفحة ٤٤