٢ — قال الحسن بن سوار: لما قال فرفريوس: إن النوع يفضل على الجنس بأنه قد توجد له الفصول وليست موجودة فى الجنس، فلئلا يقول له قائل ليس يفضل النوع على الحنس بوجود الفصول له، لأنها أعنى الفصول موجودة أيضا للأجناس، لأنها لو كانت موجودة للأنواع ولم تكن موجودة للأجناس، للزم أن يكون شىء من لا شىء، لأنه إذا لم تكن الفصول موجودة للأجناس، فمن أين اقتنت الأنواع الفصول؟ وأحس بهذا الشك الداخل عليه وأومأ إليه بأوجز ما يكون من الكلام بقوله «وإلا فمن أين اقتنت الأنواع فصولا» أخذ أن يحمله بأن ألزم الوضع بأن الفصول موجودة فى الجنس محالا فقال: «ولا الفصوا أيضا المتقابلة بأجمعها له وإلا صارت الفصول المتقابلة لشىء واحد بعينه معا» كأنه يقول: إن قولك أيها المتشكك ووضعك بأن الفصول موجودة فى الجنس، وهو الذى به [بمنزلة فنسخ] الرسم الذى أوردناه للفصل محال. وذلك أنك إن وضعت أن الفصول موجودة الجنس، لزم أن تكون المتضادة مثل الناطق وغير الناطق فى شىء واحد بعينه معا، أعنى فى الحيوان وكذلك المائت وغير المائت. ولأن وجود المتضادة فى شىء واحد بعينه لا يمكن، ما يلزم ألا تكون الفصول موجودة فى الجنس. فكأن المتشكك عاد فقال: إنه قد لزمك إذن مما [طىا لں] تكون الفصول موجودة فى الجنس وغير موجودة؛ أما موجودة فللزوم الوضع بأنها غير موجودة كون شىء من غير شىء، وأما غير موجودة فللزوم الوضع بأنها موجودة كون المتضادة فى شىء واحد بعينه معا فى شىء واحد بعينه محال. فهذه حيرة أخرى. فكأن فرفريوس قال: إما أن يكون شىء واحد بعينه موجودا وغير موجودا معا بالفعل فهى لعمرى محال. فأما أن يكون موجودا بالقوة وغير موجود بالفعل فإنه غير محال. كذلك الفصول أيها المتشكك هى الموجودة فى الأجناس بالقوة لا بالفعل، على ما يعتقده المشاءون، الذى كلامنا فى هذا الكتاب إنما هو بحسب آرائهم. وبهذا تنحل الحيرة بأن شيئا يكون من لا شىء، فإنه ليس بمحال أن يكون شىء بالفعل من غير موجود بالفعل وموجود بالقوة، وإنما المحال الذى لا يمكن تصوره فضلا عن وجوده أن يكون شىء [..........] مما ليس بموجود ألبتة لا بالقوة ولا بالفعل [...........] يكون موجودة فى شىء واحد بعينه بالفعل [..................] فهذا هو نسق ما قاله فرفريوس. وقد ينبغى أن نعيد الشك ونلخصه ليكون التأمل له أقوى، فنقول: إنه مبنى على مقدمتين معترف بصدقهما، الأولى أنه لا يكون شىء من لا شىء، وهذه مجمع عليها. والثانية أن المتضادة لايمكن أن توجد معا فى شىء واحد بعينه، فلما أخذ هاتين المقدمتين بحث عن الفصول الموجودة فى الأنواع المرتبة تحت جنس واحد بعينه هل هى موجودة فى الجنس أم لا؟ ويلزم القولين جميعا محالا، أعنى وجود الفصول فى الجنس ولا وجودها. فنقول: إنه إن كانت الفصول موجودة فى الجنس لزم أن تكون المتضادة فى شىء واحد بعينه معا، مثل أن يكون الناطق وغير الناطق والمائت وغير المائت فى الحيوان وهذا محال. لأنا قد وضعنا أن المتضادة لا يمكن أن توجد فى شىء واحد بعينه معا، وإن لم تكن موجودة فى الجنس لزم أيضا محال، وهو أن يكون شىء من لا شىء لأنه إذا كانت الفصول موجودة فى الأنواع، وليست موجودة للأجناس، فمن أين اقتنت الأنواع الفصول؟ ومن أين جاءتها؟ فهذا هو الشك، وهو يحل على ضربين: أحدهما بحسب رأى أرسطوطاليس وأصحابه، والآخر بحسب رأى الأفلاطونيين. فإن أصحاب أرسطوطاليس يحلونه بما أورده فرفريوس، وذلك أنهم يقولون: إن الفصول موجودة فى الجنس بالقوة لا بالفعل، فلأنها موجودة بالقوة ما لا يلزم أن يكون شىء من لا شىء، فإن الموجود بالقوة هو شىء ما. ولا يمتنع أيضا أن تكون الفصول المتضادة على هذا الوجه موجودة معا، أعنى بالقوة؛ لأن المحال هو أن المتضادة تكون موجودة معا بالفعل. وأصحاب أفلاطون يحلونه بأن يقولوا إن الفصول موجودة فى الجنس بالفعل، وليس بمحال أن تكون المتضادة فى شىء واحد بعينه معا بالفعل كالأشياء المعقولة والمبصرة، فإن العقل يوجد فيه معنى السواد ومعنى البياض، وهما متضادان؛ والبصر يحصل فيه صورة الاسود والأبيض، وهما متضادان. وإنما المحال أن تكون المتضادة فى شىء واحد بعينه على أنه جسم هيولانى، فأما ما ليس بجسم هيولانى فإنه ليس بمحال أن توجد فيه الأشياء المتضادة معا، فكأنه الآن يحصل من كلام هؤلاء أن الجنس حيوان مثلا إذا حصل معقولا كان غير هيولانى، لأن العقل لا يلابس الهيولى أعنى أنه يجرد معقوله من الهيولى. فإذا كان الحيوان معقولا لم يمتنع أن يكون الناطق وغير الناطق والمائت وغير المائت موجودين فيه إلا أن هذا معقول. وأصحاب أفلاطون يسمون المعقول موجودا بالفعل، وأصحاب ارسطوطاليس لا يطلقون ذلك إلا فى الموجود المحسوس. وتمام شرح هذا المعنى فى بطن هذه الورقة.
[folio 10: 154a] (١٥٤ و)
تمام شرح المعنى الذى تقدم ذكره فى [......]
صفحة ١٠٦