العناية : هو أن يوجد كل شىء على أبلغ ما يمكن فيه من النظام.
** بيان إرادته :
وأنه يعشق ذاته ، فهذه الأشياء كلها مرادة لأجل ذاته. فكونها مرادا له ليس هو لأجل غرض بل لأجل ذاته ، لأنها مقتضى ذاته ، فليس يريد هذه الموجودات لأنها هى ، بل لأجل ذاته ولأنها مقتضى ذاته. مثلا لو كنت تعشق شيئا لكان جميع ما يصدر عنه معشوقا لك لأجل ذات ذلك الشىء ، ونحن إنما نريد الشىء لأجل شهوة أو للذة ، لا لأجل ذات الشىء المراد. ولو كانت الشهوة واللذة أو غيرهما من الأشياء شاعرة بذاتها وكان مصدر الأفعال عنها ذاتها ، لكانت مريدة لتلك الأشياء لذاتها لأنها صادرة عن ذاتها ، والإرادة لا تكون إلا لشاعر بذاته. فكل ما يصدر عن فاعل فإنه إما أن يكون بالذات أو بالعرض. وما يكون بالذات يكون إما طبيعيا وإما إراديا. وكل فعل بصدر عن علم فإنه لا يكون بالطبع ولا بالعرض ، فإذن يكون بالإرادة. وكل فعل يصدر عن فاعل والفاعل يعرف صدوره عنه ويعرف أنه فاعله ، فإن ذلك الفعل صدر عن علمه. وكل فعل صدر عن إرادة فإما أن يكون مبدأ تلك الإرادة علما أو ظنا أو تخيلا. مثال ما يصدر عن العلم فعل المهندس أو الطبيب. ومثال ما يصدر عن الظن : التحرز مما فيه خطر. ومثال ما يصدر عن التخيل : إما أن يكون طلبا لشىء يشبه شيئا عاليا ، أو طلبا لشىء يشبه شيئا حسنا ، ليحصله لمشابهته للأمر العالى أو الأمر الحسن. ولا يصح أن يكون فعل واجب الوجود بحسب الظن أو بحسب التخيل ، فإن كل ذلك يكون لغرض ويكون معه انفعال ، فإن الغرض يؤثر فى ذى الغرض ، فإذن ينفعل عنه. وواجب الوجود بذاته واجب من جميع جهاته ، فإن حدث منه غرض فلا يكون من جهة انفعاله عن الغرض واجب الوجود بذاته. فإذن يجب أن تكون إرادته علمية.
والأولى بنا أن نفصل هاهنا أمر الإرادة : نحن إذا أردنا شيئا فإننا نتصور ذلك الشىء إما ظنيا أو تخيليا أو علميا أن ذلك الشىء المتصور موافق ، والموافق هو أن يكون حسنا أو نافعا. ثم يتبع هذا التصور والاعتقاد شوق إليه وإلى تحصيله. فإذا قوى الشوق والإجماع حركت القوة التي فى العضلات الآلة إلى تحصيله ، ولهذا السبب تكون أفعالنا تابعة للغرض. وقد بينا أن واجب الوجود تام بل فوق التمام ، فلا يصح أن يكون فعله لغرض ، ولا يصح أن يعلم أن شيئا هو موافق له فيشتاقه ثم يحصله. فإذن إرادته من جهة العلم أن يعلم أن ذلك الشىء فى نفسه خير وحسن ،
صفحة ١٦